هكذا، تعاطى إعلام النظام السوري مع وباء كورونا. فبعد أسابيع من الإنكار غير المقنع، اعترف النظام السوري بتسلل الوباء إليه، في محاولة منه لاستثمار الوباء العالمي لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه. ومن ثم بدأ مسلسل التحليلات والنظريات العجائبية، ليسرد المحللون السياسيون رواياتهم الخاصة عن المؤامرة الكونية الجديدة التي تستهدف سورية، وبالطبع فإن نغمة الانتصارات اقترنت بهذه الروايات كما جرت العادة. وتُوِّجَت هذه الروايات بتقرير وثائقي طويل أعدته قناة "الإخبارية السورية"، يسرد حكاية فيروس كورونا الجديد منذ اكتشافه في مدينة ووهان الصينية، وحتى تحوله إلى وباء عالمي، مع إجراء بعض التعديلات بما يتناسب مع أهواء النظام وتحالفاته السياسية. ولم يخلُ التقرير من نبرة التشفي الرخيص بـ"أعداء" النظام السوري؛ إذ يتحول الوباء فجأة إلى عقاب إلهي أصاب الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية المتآمرة، ويكشف للعالم عقم أنظمتها العاجزة عن احتواء الأزمة، بعد أن يوصف الوباء ذاته بالكارثة الإنسانية المحزنة في أثناء الحديث عن انتشاره في الدول "الصديقة"، وتحديداً إيران والصين. ويختم التقرير بالحديث عن عظمة سورية التي تمكنت من مواجهة الوباء العالمي، رغم خروجها من حرب دامت تسعة أعوام، من خلال اتخاذها لإجراءات احترازية تفوقت بها على العالم بأسره!
ونهاية الأسبوع الماضي، بدأ إعلام النظام بإعداد تقارير جديدة من نوعها لتلميع صورة النظام؛ أبرزها التقرير الذي أعدته قناة "سما" الفضائية، والذي استضافت فيه مجموعة من المصابين بفيروس كورونا للحديث عن أسباب إصابتهم والرعاية الصحية التي ينعمون بها. يبدأ التقرير بلقطات مبعثرة للضحايا وهم يسعلون سعالاً جافاً، ولا يوجد سبب يبرر هذه اللقطات سوى رغبة معد التقرير بإيهام المشاهد بأنه يستمع إلى أقوال ضحايا الفيروس. وتتلو هذه اللقطات استجوابات يخضع لها المرضى، كلٌ على حدة، تُجرى على طريقة برنامج "الشرطة في خدمة الشعب" الذي كان يستضيف المجرمين الذين يعبّرون على الشاشة عن أسفهم وندمهم على ما اقترفت أيديهم. وفي التحقيقات، "يقرّ" جميع المرضى بأن السبب الوحيد وراء إصابتهم بالفيروس هو إهمالهم الشخصي وعدم التزامهم التعليمات والإجراءات الوقائية التي فرضها النظام السوري على الشعب. ويعرّج بعض المرضى على الحديث عن العناية الصحية الفائقة التي ينعمون بها في مراكز الحجر الصحي، منذ أن سلّموا أنفسهم للجهات المختصة.