تظهر تعليقات من محللين وصحفيين، وحتى سياسيين بين الفترة والأخرى، أن الولايات المتحدة ستنتهج سياسة أقل تدخلاً في شؤون الدول الأخرى، إلا أن الكاتب في هذا العمل يتوقف عند هذه النقطة، ويعيد النظر في التاريخ الأمريكي، من الحرب الباردة إلى اليوم، لكشف أهمية ومركزية دور القوات شبه العسكرية، والميليشيات، والمرتزقة، والجيوش الخاصة، والمقاولين، بالنسبة إلى حركات التمرد التي ترعاها الولايات المتحدة، والإدارات السياسية الأمريكية المتعاقبة، مشيراً إلى أن إدارة ترامب لا تختلف عن غيرها في دعم الرأسمالية العالمية، وتقوية قبضة الإمبريالية الأمريكية.من خلال دراسة مجموعة كبيرة من الأحداث من خليج الخنازير إلى احتلال العراق، ومن الحرب السوفييتية- الأفغانية إلى الصراع الدائر في سوريا، يقدم طومسون تحليلاً لتطور الدعم الأمريكي للعديد من الأطراف الفاعلة في المؤسسات، أو المنظمات، والقوات المسلحة غير الحكومية. ويوضح كيف، ولماذا شكلت الميليشيات، والمرتزقة، والشركات العسكرية الخاصة، بشكل متزايد، جزءاً مركزياً من الاستراتيجيات الأمريكية الاستعمارية المصممة للتأثير في الظروف السياسية والاقتصادية في الخارج. بالاعتماد على وثائق رفعت عنها السرية، منها أدلة التدريب العسكرية، ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية «سي آي إي»، ووثائق الأمن القومي، ويحاول هذا الكتاب الكشف عن أدلة جديدة تساعدنا على فهم هذه المؤسسات ودورها الجماعي في الحفاظ على النظام العالمي. يأتي الكتاب الصادر عن دار «بلوتوبرس» في 244 صفحة من القطع المتوسط على ستة أجزاء بعد المقدمة وهي: 1) الإدارة السياسية الإمبريالية في الولايات المتحدة والقوات شبه المؤسساتية. 2) تغيير النظام السري في أوائل الحرب الباردة المبكرة: «السلطة تتورط في إسقاط حكومة غير صديقة». 3) الإدارة السياسية المكافحة للتمرد: الميليشيات والمرتزقة والمقاولون. 4) ريجان، نزاع منخفض الكثافة، وتوسيع فن التنظيم المؤسساتي. 5) الاستمرارية بعد الحرب الباردة وتوحيد المجمعات شبه المؤسسية. 6) الحرب على الإرهاب، والحروب غير النظامية، والعرض للقوة. وينتهي الكتاب بخاتمة.
بنية الكتاب
يعاين الفصل الأول من الكتاب عوامل وملامح الإمبريالية الأمريكية. ويقدم إطاراً، أو عدسة يمكن من خلالها فهم وشرح المجمعات شبه المؤسساتية الأمريكية. ويناقش السياسة الخارجية الأمريكية المرتبطة مع الرأسمالية العالمية، والطرق التي أصبحت فيها الدولة الأمريكية أشبه بقناة تخدم مصالح النخبة الرأسمالية العالمية، والعابرة للحدود الوطنية، وتحرص على تقدمها، كما يتوقف الفصل عند دور القوات شبه المؤسساتية في مكافحة التمرد، والحرب غير التقليدية. ويقدم الكتاب في الفصلين الثاني والسادس جوهر التحليل التاريخي، إذ إن هذين الفصلين يقدمان لمحة عامة تاريخية لتطور المجمعات شبه المؤسساتية في إدارة الدولة الأمريكية. الفصل الثاني منه يركز على الحرب غير التقليدية وسياسات تغيير الأنظمة خلال المراحل الأولى من الحرب الباردة، ويناقش كيفية الرغبة في إيجاد طرق سرية لا يمكن إنكارها لإطاحة أنظمة غير مرغوب فيها ضمن سياق صراع القوى العظمى، وتقوية القانون الدولي، فضلاً عن أن الرغبة في الحفاظ على صورة الولايات المتحدة بأنها غير عدوانية ولدت أشكالاً من التدخل بالإنابة، أو عبر الوكلاء. ويركز الفصل الثالث على تدريب قوات مكافحة التمرد الأمريكية لأجل الدول الحليفة، والتعاون الأمريكي المباشر، وغير المباشر مع الميليشيات المحلية، والقوات شبه العسكرية، والتشكيلات العسكرية المشابهة لها. ويعاين الفصل الرابع تقدّم هذه الممارسات خلال إدارة ريجان. وهذا يقدّم في الفصل الخامس الأسس لمعاينة التحصن الأكثر لهذه العلاقات المرنة في الفترة التي تلي الحرب الباردة بشكل مباشر. ويعالج الفصل السادس منه التسليح العالمي لهذه الشبكات خلال «الحرب الأمريكية على الإرهاب» وما بعدها.
حرب العراق
يبدأ الكاتب بالحديث عن حرب العراق، وكيفية إطاحة نظام صدام حسين، والاستغلال الأمريكي للانقسامات الناجمة عن الاستبداد السياسي الذي فرضه النظام العراقي على شعب العراق بكل طوائفه وقومياته. ويقول: «تم تجنيد المقاولين العسكريين الخاصين لتدريب الطواقم لأجل الجيش العراقي الجديد، وقوات الشرطة، إضافة إلى اختيار قوات الميليشيات المكافحة للتمرد. وفي تلك الأثناء، دعم راسمو الخطط العسكرية الأمريكية القوات شبه العسكرية من الكوماندوز، والميليشيات. كما قارن العديد من المراقبين والطواقم الأمريكية على حد سواء، الدعم الأمريكي لهذه القوات في العراق بالدعم الأمريكي لفرق الموت في أمريكا اللاتينية خلال الحرب الباردة، والبرامج شبه العسكرية المنفّذة في فيتنام، مثل برنامج العنقاء». ويضيف: «عملت القوات الأمريكية التي دخلت البلاد بالآلاف على إطاحة بالتمرد، والتوقف بشكل جزئي على تغيير المتمردين السابقين وكسب دعم المجموعات العشائرية والقبلية في برنامج للمليشيات يكون بمثابة قوة أمنية تعرف باسم أبناء العراق». ويقول إنه: «كلما تحولت السلطة أكثر إلى الحكومة العراقية المتشكلة حديثاً، كلما استمرت أنماط مشابهة من الشراكات العسكرية العامة-الخاصة، مع المستشارين الأمريكيين والدولة العراقية التي توظف المقاولين الأمنيين الخاصين، وتدفع للمرتزقة، وفصائل أمراء الحرب، وتؤسس علاقات مع عدد لا يحصى من الميليشيات. ومع نهاية العمليات العراقية تحت القيادة الأمريكية، تبنت الولايات المتحدة مهمة «درّب، انصح، وساعد» لدعم الحكومة العراقية، وقوات الجيش والشرطة، من دون التدخل بأعداد كبيرة من الجنود الأمريكيين على الأرض. وفي هذا الدور الاستشاري، عقد الضباط الأمريكيون تحالفات مع القوات شبه العسكرية والميليشيات كقوة طليعية مكافحة للتمرد. كما تم دعم المساعدة الأمريكية إلى قوات الحكومة العراقية من خلال الشركات الأمنية الخاصة والمقاولين الأمنيين الذين دفعت لهم الدولة العراقية والأمريكية». ويتحدث عن بدايات صعود ما يعرف بتنظيم «داعش» الإرهابي، وشكل العلاقة الأمريكية مع القوات العراقية الرسمية، وشبه الرسمية، والميليشيات قائلاً: «ثم، عندما هاجم تنظيم «داعش» الإرهابي بعض الأراضي الشمالية في العراق، وموسعاً أراضيه عبر الحدود العراقية -السورية، قامت الولايات المتحدة مع الجيش الرسمي العراقي بدعم مجموعة من الميليشيات لهزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي وإعادة فرض السيطرة على المناطق التي فرض «داعش» سيطرته عليها. والولايات المتحدة، من جهتها، ساعدت ودربت فصائل من ميليشيات الحشد الشعبي، ومجموعات عسكرية شيعية، وكردية، وخليطاً من الميليشيات الأخرى في سوريا، لهزيمة داعش عسكرياً، ودحرها من المنطقة. وإلى جانب الضربات الجوية الأمريكية والقوات المسلحة العراقية المدعومة أمريكياً، فإن الاستراتيجيات الأمريكية اعتمدت على تطبيق القوة التي سمحت للولايات المتحدة بإبعاد نفسها عن سياساتها التدخلية. وبحلول ديسمبر/ كانون الأول 2017، استطاعت الحملة المنسقة بين الولايات المتحدة والقوات الحكومية العراقية، والشركات الأمنية الخاصة، والميليشيات العراقية المدعومة أمريكياً، استعادة المدن الرئيسة مثل الموصل، ووضعها تحت سيطرة الحكومة العراقية.
قوات بديلة
يرى الكاتب أن التدخل في العراق ليس المثال الوحيد لمثل هذه التوجهات في السياسة الخارجية الأمريكية. فقد أكد المستشارون الأمريكيون على العمل «مع، أو عبر» مثل هذه القوات»البديلة» حول العالم تجاه أهداف مماثلة. فالقوات الأمريكية المكافحة للتمرد في أفغانستان تعاونت مع فصائل من أمراء الحروب، وحشدت قوات من المدنيين للقتال إلى جانب الجيش الأفغاني الرسمي، وقوات الشرطة، لتهدئة التحركات المناهضة للاحتلال، وقوات جماعة طالبان، وشبكة حقاني، والمضي نحو استقرار نظام معين مرتبط مع المصالح الأمريكية والرأسمالية العابرة للحدود الوطنية. ويقول: «الشركات الأمنية الخاصة، والمقاولون الأمنيون ضاعفوا بشكل كبير هذه الجهود. فبحلول منتصف 2017، فاق عدد الشركات الأمنية الخاصة عدد القوات الأمريكية بثلاثة أضعاف، كما أن الرئيس الأمريكي ترامب تحدث بشأن اقتراحات لتجنيد المزيد. مثل هذه القوات تداخلت، وغالباً ما أصبحت على تنسيق كامل، مشكلة مجمعات لقوة شبه مؤسساتية في إدارة الدولة الأمريكية. وقام راسمو الخطط العسكرية الأمريكية بتوظيف الشركات الأمنية الخاصة لتدريب الميليشيات، وفي حالات أخرى قامت الشركات الأمنية الخاصة بإبرام عقود مع المرتزقة المحليين وفصائل أمراء الحروب». ويقول عن هذه السياسة الأمريكية في العالم: «باختصار، العلاقات والأنماط المحلية/العالمية، والخاصة/العامة كانت مركزية وأساسية في الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لفرض الاستقرار على نظام ما بعد طالبان. كما أجريت ترتيبات أمريكية مشابهة في بلدان عدة في الشرق الأوسط وحول العالم، وفي نقاط الصراع مثل ليبيا، سوريا، واليمن، إضافة إلى كولومبيا والفلبين. صنّاع السياسة الأمريكية في واشنطن وشركاؤهم الخارجيون الحكوميون من المتحالفين معهم يترأسون شراكات خاصة/عامة كبيرة لضبط المناطق المحيطية من حول العالم.
ترامب والتدخل الخارجي
يشير الكاتب إلى أن إدارة ترامب وعدت بسياسة خارجية أقل تدخلاً، و»غير مكترثة» لمصلحة التركيز على الوضع المحلي الأمريكي، أي جعل «أمريكا عظيمة مرة أخرى». وقال ترامب: «سوف نتوقف عن المضي وراء إطاحة الأنظمة الأجنبية التي لا نعرف شيئاً عنها، والتي لا ينبغي أن نتورط معها»، وتعهد ترامب، بدلاً من ذلك، كجزء من أجندة السياسة الخارجية لديه، بأننا «سنركز على تدمير تنظيم «داعش» الإرهابي». ويعلق الكاتب على ذلك: «على العموم، في الوقت الذي يشير هذا إلى أن الولايات المتحدة ربما لا تعود إلى الشكل التدخلي أحادي الجانب الذي شهده العالم خلال رئاسة جورج دبليو بوش، إلا أن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة سوف تصبح أقل تورطاً في برامج فرض الاستقرار الخارجية. إن منطق إدارة الدولة الأمريكية يؤسس العاملين المتنفذين في السياسة الخارجية الأمريكية لفرض السلطة عبر الوسائل شبه المؤسساتية». ويشير إلى أنه مع اختلاف اللهجة والخطاب، قدم أوباما وعوداً مماثلة خلال فترة رئاسته، فقط للتقدم في مثل هذه الممارسات والأنماط المساعدة في الحرب التي أبعدت الولايات المتحدة نفسها عن العمليات التي جرت بالنيابة عنها. ويعلق الكاتب: «ترامب ليس أوباما، وهذا لا يضمن استمراريتها، لكن هياكل وتنظيمات القوة في الساحة الدولية، والدور الريادي العسكري الأمريكي في الرأسمال العالمي، قد اختصر الطريق على الرئاسات المتعاقبة، ومن غير المحتمل أن تغيّر إدارة ترامب بشكل جوهري الموقع الأمريكي المتميز، ويتنصّل من المسؤوليات التي تصاحبه. إضافة إلى أن ترامب أظهر في السابق علامات تشير إلى أنه سوف يستمر في العمل على خطوط متشابهة لمن سبقه من الرؤساء. فقد زاد الإنفاق العسكري الأمريكي بشكل كبير، وسبق أن رجع عن وعوده في الانسحاب من أفغانستان، متعهداً بإرسال المزيد من القوات إلى ما ظهر أنها أطول حرب في التاريخ الأمريكي. ويقول الكاتب في خاتمة عمله: «على نحو مخيف أكثر، إلى جانب اكتشاف الاحتياطيات المعدنية، واستمرار التهديدات للاستقرار المنشود من قبل طالبان والمتطرفين الآخرين، فإن صناع السياسة في إدارة ترامب قد كشفوا عن مقترحات لتأسيس ميليشيات شبه عسكرية «جديدة» في أفغانستان، وتتوقع هذه المقترحات عقد صفقات مع الشركات الأمنية الخاصة للقيام بالكثير من العمل كان في السابق موكولاً للجنود الأمريكيين. كما صادق ترامب أيضاً على تسليح، وتدريب، والتعاون مع الميليشيات في سوريا. كان هذا الأمر عنصراً أساسياً في خططه «لتدمير» تنظيم «داعش» الإرهابي في المنطقة. إن وعود ترامب بسياسة خارجية أقل تدخلاً سوف تتجنب على الأرجح التدخل المباشرة لمصلحة الطرق غير المباشرة، من بينها الاستعانة بمصادر خارجية، والخصخصة، وعقد التحالفات مع التشكيلات شبه العسكرية والميليشيات على غرار ما قامت به الإدارات الأمريكية السابقة». وينهي عمله بالقول: «إن الاستعانة بالمصادر الخارجية، والخصخصة، ودعم الميليشيات والقوى شبه العسكرية الأخرى، هي جزء من جوهر المشروع الإمبريالي الأمريكي وتوسّع رأس المال».
نبذة عن الكاتب
** الدكتور أندرو تومسون، محاضر في جامعة كوينز بلفاست، وزميل في معهد السيناتور جورج جي ميتشل للسلم والأمن والعدل العالمي. تركز اهتماماته البحثية في المقام الأول على مجالات تحليل النزاع والعنف السياسي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، مع التركيز على الميليشيات الموالية للحكومة، وعنف الدولة، وديناميات العنف في الحروب الأهلية، والمدنيين في الحروب الأهلية، وقوات الدفاع المدني والجيوش الخاصة بالشركات، وغيرها من الجهات الفاعلة المسلحة من غير الدول، ومكافحة التمرد، والحرب «غير النظامية».