على مدى ما يقرب من عشر سنوات، رأى «بن رودس» تقريباً كل ما يحدث في قلب إدارة أوباما؛ أولاً ككاتب خطابات، ثم كنائب لمستشار الأمن القومي، وأخيراً كمساعد مقرّب متعدد الأغراض. كان يبدأ يومه كل صباح في المكتب البيضاوي مع أوباما للاطّلاع على آخر المستجدات، ويسافر معه إلى الخارج، وكان في قلب بعض اللحظات الأكثر إثارة للجدل. الآن، وفي هذا العمل، يروي القصة الكاملة لشراكته، ثم صداقته مع رجل تصادف أنه رئيس تاريخي للولايات المتحدة.ننظر في هذه الحلقة إلى كواليس تحمّس أوباما لعقد لقاءات مع الإيرانيين، وكيف أنه أثار حفيظة الحلفاء بالرغبة في تسوية مع دولة لم تصدّر سوى الإرهاب إلى العالم، وتؤجج الصراعات في الشرق الأوسط، نستعرض بعض ما تحدث عنه في الفصل الثاني قائلاً: «احتاجت حملة أوباما أكثر من مساعدة السياسة الخارجية، احتاجت إلى كاتب خطابات، أيضاً، وسألوني لأجل الانتقال إلى شيكاغو في بداية أغسطس (آب) للانضمام إلى فريق كتابة الخطابات المكون من ثلاثة أشخاص. عيّنت في وقت كانت السياسة الخارجية مهمة بشكل متزايد في الحملة. وخلال جدل ديمقراطي في يوليو(تموز)، طرح على أوباما سؤال عبر يوتيوب مفاده إذا ما كان سيرغب في لقاء عدد من خصوم الولايات المتحدة، بما فيها إيران وكوبا، من دون شروط مسبقة. قال أوباما:«سأفعل»وأضاف:«وإليك السبب الذي يثير السخرية.. الفكرة التي تشير بطريقة أو أخرى إلى أن عدم التحدث مع البلدان الأخرى هي بطريقة ما عقوبة لها، كانت المبدأ الدبلوماسي التوجيهي لهذه الإدارة (الجمهورية)».«لم تتفق كلينتون معه ووصفت لاحقاً موقف أوباما بأنه«غير مسؤول، وساذج بشكل صريح». ويشير أيضاً إلى أن»رسالة أوباما مضمونها أن كلينتون كانت قريبة من بوش لأنها صوتت لمصلحة حرب العراق، ولا يمكن الثقة بها لأجل تحقيق أي تغيير، ورسالة كلينتون كانت أن أوباما لا يمتلك ما يكفي من الخبرة ليكون رئيساً. بالتالي كان السؤال إذا ما كان السعي إلى الدبلوماسية مع الخصوم حول شيء ما أكبر - حول أي انتقاد كان صحيحاً، وكيف ينبغي أن تدير الولايات المتحدة السياسة الخارجية بعد حرب العراق. وجدت نفسي وسط ذلك الجدل، وسأبقى فيه خلال العقد المقبل.بعد أن عرض علي العمل، توقفت عند سؤال: كيف ستكتب خطاباً لشخص لا تعرفه؟ لإدراك شخصية أوباما، درست كل خطاباته، ونصوص المقابلات، والكتب التي قمت بإعادة قراءتها لمرات عديدة. فكتاب مذكراته الأول «أحلام من والدي» هو نوع من «حجر رشيد» بالنسبة لحياة أوباما ونظرته إلى العالم، وقدم العديد من المنعطفات البليغة لعبارة سأعيد استخدامها مراراً وتكراراً على مدى السنوات العشر المقبلة«.ويتحدث هنا على الخطاب المتعلق بأسامة بن لادن قائلاً:»الهدف من «خطاب الإرهاب الكبير» هو جعل أوباما يبدو وكأنه الذي يمكن أن يكون القائد الأعلى، والذي يمكن أن يكون ناقداً حاداً لحرب العراق، ولا يزال قادراً على شن حرب ضد الإرهابيين الذين هاجمونا في 11 سبتمبر. هذه الفرضية كانت لها فائدة كونها صحيحة. إحدى الأشياء التي جذبتني إلى أوباما كانت خطاباً له ألقاه في تجمع ضد الحرب في 2002، قبل الحرب على العراق، كان الناس يقولون اعتراض الحرب سياسة سيئة. قال أوباما: أعلم. حتى إن حرباً ناجحة ضد العراق سوف تتطلب احتلالاً أمريكياً لفترة غير محددة، وبتكلفة غير محددة، مع عواقب غير محدّدة. أعلم أن غزو العراق من دون منطق واضح، ومن دون دعم دولي قوي سوف يشعل فقط النيران في الشرق الأوسط، ويشجع على الأسوأ، بدلاً من الأفضل، ويثير العالم العربي، ويقويّ تجنيد أعضاء في القاعدة. لست معترضاً على كل الحروب، بل معترضاً على الحروب الغبية.الخطاب الذي كنت سأكتبه سيجعل النقاش مواكباً لآخر المستجدات. وسيضع أوباما خطته المتعلقة بالانسحاب من العراق بينما يدعو إلى كتيبتين مقاتلتين إضافيتين في أفغانستان وتركيز متجدد على القاعدة. ومن بعد ذلك، سيقترح استراتيجية مكافحة الإرهاب التي من شأنها تقوية الدول الأخرى لملاحقة الإرهابيين، وإغلاق سجن خليج غوانتانامو وإنهاء التعذيب، وتوسيع الدبلوماسية والمساعدات الخارجية. وانتهى الأمر كمخطط دقيق بشكل استثنائي لما عمله أوباما كرئيس، خاصة بشأن أكثر موضوعين إثارة للجدل: تعهد متجدّد للسعي إلى اتباع الدبلوماسية مع إيران بشأن برنامجها النووي، والوعيد بملاحقة ابن لادن في باكستان.
دبلوماسية أوباما الخاطئة تجاه إيران
كان مستشارو السياسة الخارجية لأوباما في الخارج حذرين. فالعديد منهم لم يكن يشعر بالراحة بدعوة أوباما إلى الدبلوماسية مع إيران من دون شروط مسبقة. في اليوم الذي تلا النقاش، لم تجد الحملة خبراء يرغبون في الظهور والدفاع عن موقف أوباما تجاه إيران. كان الإجماع في المؤسسة الحاكمة للسياسة الخارجية هو أن أوباما ارتكب خطأ فادحاً، وانعكس ذلك من قبل طبقة سياسية في واشنطن شعرت أن أي شيء ما عدا «قسوة» انعكاسية تجاه إيران يعتبر مقترحاً خاسراً. فالدبلوماسية، على ما يبدو، ضعيفة؛ ورفض الانخراط في الدبلوماسية، من خلال خاصية عكسية، أمر «صارم». ولا يهم إذا ما كانت إيران تتقدّم بثبات في برنامجها النووي. يمضي رودس في الحديث عن الجلسات واللقاءات لصياغة الخطاب المتعلق بابن لادن، والنقاشات التي حدثت بين أوباما وروبيرت غيبس الذي بلّغ أوباما بالانتقادات التي وجهت إليه بشأن سياسته مع إيران، وسعيه إلى لقاءات غير مشروطة، وخاصة من تصريحات لوزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت. وكان رد أوباما هو: «عن ماذا يتحدث هؤلاء الناس..». وسأله حينها دينيس ماكدونو: ألم تذهب أولبرايت إلى كوريا الشمالية؟.«استدار أوباما وضحك بطريقته الاعتيادية قائلاً: صحيح».
أوباما يتوق إلى لقاء الإيرانيين
في الفصل التاسع عشر من القسم الأخير يتوقف ردوس عند محاولات أوباما الحثيثة لعقد لقاءات مع القيادة الإيرانية، 1979، ونتوقف عند ما يرويه:«في 14 يونيو، 2013 انتخب حسن روحاني رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ممثلاً بذلك الجناح الأكثر اعتدالاً في السياسة الإيرانية. ولم يكن المرشح المفضل للمرشد الأعلى المتشدد آية الله علي خامنئي. هذه الحقيقة وحدها كانت تشكّل تناقضاً استثنائياً لانتخابات 2009، عندما ألقى خامنئي بدعمه خلف محمود أحمدي نجاد، ووضع قادة المعارضة تحت الإقامة الجبرية، وأطلق حملة قمع مستمرة ضد المعارضة. روحاني قام بحملة على منصة السعي إلى علاقات أفضل مع الغرب، وربط التقدم بشأن الملف النووي بهدف تحسين الاقتصاد الإيراني. أشار انتخابه إلى أن الرأي العام الإيراني استطاع أن يمارس الضغط على قيادة البلاد من الأسفل إلى الأعلى. إذا كان ذلك الضغط كافياً لجعل روحاني منتخباً، ربما يمكن إجبار إيران على تقديم تنازلات بشأن برنامجها النووي. خلال اجتماع صباحي بعد وقت قصير من الانتخابات، اقترح أوباما الاستفادة من هذه الافتتاحية، قائلاً:«لماذا لا أبعث رسالة إلى روحاني؟ وافقت سوزان بقولها: «إن الأمر يستحق التجربة». في السابق كان قد بعث برسائل إلى المرشد الأعلى لكنها لم تفضِ إلى أية نتيجة، ولم يتوصل إلى أحمدي نجاد أبداً، الذي كان شخصية ضعيفة واستقطابية. بتوجيه من أوباما، صيغت رسالة إلى روحاني تقترح في محتواها مناقشات بشأن المسألة النووية. ضمن أسابيع، تلقينا استجابة إيجابية، فالإيرانيون أرادوا أن يجروا عملية دبلوماسية». ويشير رودس إلى مسألة الإعداد للمفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي، واجتماع مجموعة 5+1 للتفاوض مع إيران. ويقول حول ذلك:«كلما اقتربت اللقاءات، ظهر سؤال آخر: هل سيلتقي أوباما مع روحاني؟ ومن أيضاً سيأتي إلى نيويورك؟ بالتناقض مع مستشاريه السياسيين الذين اعتقدوا أن آخر شيء احتاجه أوباما هو أخذ صورة مع الرئيس الإيراني، أخبرنا أوباما أنه يريد لقاءه. أخذتُ الأمر كإشارة إلى أنه مستعد للاضطلاع بالكثير من المخاطرة السياسية إذا كان ذلك يعني تحقيق اتفاق نووي».ويضيف:«في ليلتنا الأولى في نيويورك ذهب جيك ووالدورف للقاء الوفد الإيراني في ردهة الفندق. في البداية، كان قلقاً بشأن المكان المفتوح، لكننا اتفقنا أنه شخص مجهول بشكل نسبي، ومن سيعتقد أنه يلتقي مجموعة من الإيرانيين؟ الإيرانيون أخبروه أن روحاني مهتم باللقاء مع أوباما، لكنهم كانوا غير ملزمين. ما بدا من هذا الحديث أنهم أرادوا إجراء اللقاء، لكنهم كانوا يشعرون بالقلق حول كيفية اللعب مع المتشددين عند العودة إلى إيران».
أوباما ينتظر الإيرانيين عبثاً
«النافذة الوحيدة التي يمكن لأوباما وروحاني أن يكونا في مبنى الأمم المتحدة في الوقت نفسه هي بعد خطاب أوباما أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة. بلّغنا الأمم المتحدة أن أوباما بحاجة إلى مكان ما للانتظار بين الاجتماعات، وقدموا له مكاتب مجاورة لمجلس الأمن. جلس أوباما هناك في جناح مكتبي للأمم المتحدة، متصفحاً جهازه اللوحي «آي باد»، بينما توجه جيك نحو الخارج ليجري اتصالاً مع إيراني. بين الحين والآخر، خلال أكثر من اتصال، كان يدخل ليبلّغ أنهم يتراجعون في كلامهم وسيخرجون. قال أوباما: «أخبرهم فقط أنني سعيد باللقاء معهم». كان أوباما، كما رأيت، يظهر عبثية وسخافة بعض التابوهات. فلا ينبغي أن يكون أمراً مستحيلاً على الصعيد السياسي لقادة دولتين في مسار تصادمي يتضمن الأسلحة النووية والحرب أن يلتقوا في الأمم المتحدة. لم يتوصل الإيرانيون إلى الموافقة على لقاء أوباما، بالتالي غادرنا من دون اللقاء. أثناء الخروج من ممرات مبنى الأمم المتحدة، سألت أوباما ماذا ينبغي أن نقول للعلن. قال أوباما: «أخبرهم فقط حقيقة ما حصل. كنا نرغب في لقائهم، لكن لأسبابهم الخاصة، لم يستطيعوا. اجتمعت بمجموعة من الصحفيين ونقلت لهم هذه الرسالة التي جعلت الإيرانيين بشكل أكيد يشعرون بعدم الراحة. فقد كان روحاني يحاول إظهار نفسه في الداخل والخارج بأنه رجل معتدل وملتزم بالحوار. وبعد أن عدنا إلى واشنطن، تواصل الإيرانيون مع جيك وطرحوا عدداً من الأفكار المختلفة: هل سيعود أوباما إلى الأمم المتحدة لأجل اجتماع مجموعة 5+1؟ قلنا: لا، فأغلب القادة لم يكونوا هناك حتى. هل يمكن أن نجري اتصالاً هاتفياً؟ نعم». ويشير رودس إلى أنه في اليوم الأخير لروحاني في نيويورك، تم إجراء الاتصال، قائلاً عن ذلك: «شاهدت ذلك الاتصال، إذ إن أوباما أصبح الرئيس الأمريكي الأول الذي يتحدث مع رئيس إيراني منذ الثورة الإسلامية في 1979. استمرت المحادثة 15 دقيقة بشكل ودّي. أوباما مازح روحاني بشأن الازدحام في نيويورك. كلاهما شدد على الحاجة للسعي إلى حوار والوصول إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي، وقالا إنه ينبغي أن يتم على وجه السرعة. كلماتهما لم تكن استثنائية بشكل خاص، على الرغم من أن المحادثة في الحقيقة كانت استثنائية. بعد العودة إلى مكتبي، دخلت إلى مساعدتي السابقة فريال غوفاشيري، وهي أمريكية إيرانية مولودة في طهران ومنفية من إيران مع عائلتها منذ 1980. امتلأت عيناها بالدموع لمجرّد هذه الإشارة الصغيرة على التسوية مع هذا النظام».
يد إيران الملطّخة بالدماء
يشير رودس في الختام إلى الاعتراض الكبير على سياسة أوباما تجاه إيران، موضحاً صورة القادة الإيرانيين الذين يمثلون الشر والفتنة في الشرق الأوسط والعالم، قائلاً: «في سنواتي الثماني في البيت الأبيض، عملت مع حكومة تشرف على حروب متعددة قتل خلالها آلاف الأشخاص، ومع ذلك لا شيء في سياستنا الخارجية لقي معارضة شرسة مثل الاتفاق النووي مع إيران. كان جزء من هذا راسخاً في التاريخ، حيث لا تزال صور الأمريكيين معصوبي الأعين ماثلة في الأذهان أثناء حدوث أزمة احتجاز الرهائن الأمريكيين في إيران 1979، فصور الإذلال لا تزال تلقي بثقلها على الذهنية الأمريكية».«كانت إيران مركزية في توفير خلفية للإرهاب والصراع الذي يعانيه الشرق الأوسط منذ ذلك الحين، وهي معادية بشكل كبير للولايات المتحدة، ولمصالحنا، وأصدقائنا، بشكل خاص «إسرائيل» والمملكة العربية السعودية. قضينا وقتاً أقل في معاينة دعمنا لصدام حسين الذي استخدم الأسلحة الكيميائية ضد إيران، أو حقيقة أن إطاحتنا اللاحقة بصدام حسين ساعدت على تمكين إيران أكثر من أي شيء آخر حدث في الشرق الأوسط منذ 1979. في الواقع، الحقيقة هي أن الأخطاء في السياسة الأمريكية ساعدت إيران على زيادة الكراهية تجاهها بين الأشخاص المسؤولين عن هذه الأخطاء».