في ليبيا حرب مستمرة منذ أكثر من ثماني سنوات، لكنّ هذه الحرب التي تشرد وتجرح وتقتل وتيتّم، تؤثر أيضاً في أشخاص يعيشون خارج البلاد اضطراراً، ولا يمكنهم العودة إليها.ما زال ملف المهجّرين الليبيين إلى خارج بلادهم، بعيداً عن إحصائيات الجهات الحكومية الليبية، فلا يعرف على وجه التقدير، حتى، عدد الأسر المهجّرة إلى دول الجوار، وعلى رأسها
تونس ومصر، ممن اضطروا إلى الهرب بسبب الصراعات والنزاعات المسلحة التي شهدتها ليبيا في السنوات الماضية، والتي أدت إلى خسائر بشرية ومادية فادحة.بدأت موجة النزوح إثر سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، وبعد ملاحقات أمنية للأشخاص والمسؤولين الموالين لحكم القذافي، لكنّ الأسباب تغيرت بمرور السنوات بسبب سوء الأحوال الأمنية، وتعاقب الحروب، في
بنغازي ودرنة شرقاً، وفي سبها وأوباري جنوباً، فضلاً عن مدن في غرب البلاد، تعرضت خلالها عشرات الأسر لـ"الإساءة والتهميش ليصل الأمر إلى الانتهاكات ضد الإنسانية، كالابتزاز والخطف والإخفاء القسري" بحسب الحقوقي حسن الفقهي.يؤكد الفقهي، عضو جمعية الإخاء والمساواة الليبية الأهلية لـ"العربي الجديد" أنّ "مئات الأسر ما زالت عاجزة عن العودة إلى مدنها ومناطقها خوفاً من الإساءة والانتهاكات الجسيمة التي قد يتعرضون لها" بالرغم من التطمينات التي لم تفتأ الجهات الحكومية تعلن عنها. ويعتبر الفقهي، الذي شاركت جمعيته في نشاطات عدة من أجل المصالحة الوطنية سعياً لحلّ أزمة المهجّرين إلى الخارج من أكبر الملفات تعقيداً بسبب استمرار تغاضي حكومات البلاد عنه. وأطلقت الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب شرقي البلاد، منتصف الشهر الجاري، حملة لإعادة المهجّرين، تحت مسمى "البرنامج الوطني لتشجيع العودة الطوعية للمهجّرين الليبيين في الخارج" مؤكدة أنّ أهل المهجّرين المستهدفين بتسهيل إجراءات الرجوع هم الموجودون في مصر قبل الانتقال لدول أخرى.
وأعلنت الحكومة، قبل أيام، أنّ البرنامج سيتكفل "بنقل الأسر من مصر إلى ليبيا، وتأمين الإيجارات السكنية لمدة سنة كاملة داخل المناطق التي يعود إليها المهجّرون في نطاق الحكومة، وصرف منحة شهرية لهم لمدة عام كامل، وتسوية الوضع الوظيفي للمهجّرين العاملين في الدولة ودفع رواتبهم" بالإضافة إلى تسهيل إجراءات عودة أبناء الأسر المهجّرة إلى مدارسهم وجامعاتهم. لكنّ الفقهي يقلل من تمكن البرنامج من حلّ مشكلة ملف المهجّرين، وقال: "هناك من هجّر قسراً من بنغازي لموقفه من حفتر فهل لدى الحكومة قوة لإجبار مسلحي اللواء السابق خليفة حفتر على القبول بتلك الأسر". وتساءل أيضاً: "ماذا عن الأسر المهجّرة إلى مصر والتي تقطن في مدن لا سيطرة للحكومة عليها في الجنوب والغرب".وبينما يؤكد الناشط الحقوقي أنّ أغلب الأسر المهجرة إلى مصر من مدن الشرق الليبي على خلفية ولائها للنظام السابق عادت منذ زمن، اعتبر أنّ البرنامج الحكومي لا يعدو كونه سعياً لمكاسب سياسية فقط. وتعاني الأسر المهجّرة من ظروف معيشية قاسية، إذ تذكر، جنات المريمي، أنّها تعيش منذ ثلاث سنين ظروف فقر مدقع ويعيش أطفالها الأربعة على تبرعات المحسنين.وتوضح المريمي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" أنها أرملة مسؤول في إدارات النظام السابق اضطرت للهجرة إلى تونس بعد مقتل زوجها أثناء ثورة فبراير/ شباط 2011، إثر حرق كتائب الثوار لمنزل زوجها انتقاماً من موقفه المناصر للنظام. تؤكد المريمي أنّ راتبها في قطاع التعليم الذي كانت تعيش منه جرى قطعه بسبب تغيبها عن العمل لسنوات، وتقول إنّ "اثنين من أبنائها اضطرا إلى التوقف عن الدراسة بسبب عجزي عن دفع رسوم الدراسة".ونشرت جمعية الأخوة الليبية، وهي جهة أهلية ليبية معنية بالمهجرين الليبيين في مصر، على صفحتها الرسمية، خطاباً موجهاً إلى وزارة التعليم بحكومة الوفاق كشفت فيه أنّ 98 طالباً من خريجي المرحلة الثانوية في مصر، معرضون للانقطاع عن الدراسة بسبب عجز أسرهم عن دفع رسوم المدارس، مطالبة الوزارة بمخاطبة الجانب المصري للسماح لهم بالدراسة في الجامعات المعتمدة لدى الوزارة. لكنّ الفقهي يؤكد أنّ الخطاب لم يلقَ أيّ اهتمام وأنّ أغلب هؤلاء الطلاب تكافح أسرهم وسط ظروف صعبة من أجل مواصلة دراستهم. وتؤكد معلومات الفقهي أنّ معاناة المهجّرين سواء في مصر أو تونس تتشابه إلى حد كبير، مشيراً إلى أنّها "تتعلق بإجراءات الإقامة والدراسة في المدارس المصرية وإجراءات المركبات" مضيفاً أنّ الملف الصحي من أصعبها: "كثير من الحالات الصعبة لجأ أصحابه إلى طلب العون من المحسنين للدخول إلى العيادات الخاصة فالمستشفيات العامة ممنوعة من غير مواطني تلك البلدان".
ويشير الناشط الحقوقي إلى أنّ برامج عدة قدمت للحكومات الليبية لتسهيل ظروف المهجرين، من بينها نقل وظائف غير القادرين على العودة إلى البلاد إلى المؤسسات والشركات الليبية المستثمرة في تونس ومصر لا سيما العنصر النسائي وتحديداً الأرامل". يؤكد أنّ جمعية الأخوة الليبية وغيرها من الجمعيات تحول نشاطها من السعي لانتزاع حقوق المهجّرين إلى جمعيات لجمع التبرعات بسبب سوء أحوال كثير من الأسر.