ما حصل ليل 26 من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2019 في عين الرمانة، وبعبدا، وبعلبك وطرابلس، لم يذكّر اللبنانيين إلا بالحرب الأهلية. وذكر طرابلس بأحداثها بين عامي 2011 و2014، إذْ سقط مئات الجرحى وعشرات القتلى. نعم هذه الليلة ذكرتنا بمآسي الحرب وكادت أن ترجعنا إلى تلك الأيام التعيسة، وذلك بهدف الرسائل السياسية ورسائل الضغط على الجيش اللبناني ليكون أكثر قسوة مع المنتفضين. وكادت هذه المرة أن تؤدي إلى معارك دموية بين اللبنانيين. لكن الشعب انتفض على الحرب أيضاً، وانتفض على العنف، انتفض على الإرهاب، كما انتفض على الفساد.
آخر الحروب التي شهدها لبنان كانت في طرابلس، إنها طرابلس أم الفقير التي يتم استغلالها دائماً، واستغلال فقرها لأجل الرسائل السياسية. إنها طرابلس التي نصف شعبها دون خط الفقر، إنها طرابلس التي 60% من شبابها عاطل عن العمل، إنها طرابلس التي تعلمت درساً حديثاً عن آفة الحرب ونتائجها، إنها طرابلس التي أظهرت صورتها الحقيقية، والتي توجد فيها طاقات متنوعة أبهرت الشعب اللبناني والعربي.
إنها طرابلس التي بالرغم من ظلمها من قبل الدولة اللبنانية بسبب تهميشها إنمائياً واقتصادياً تبقى ضمن كنف الدولة، إنها طرابلس اليتيمة إنمائياً، ولكن لديها أم وأب وأخت وأخ هم أهلها الواعون والحضاريون، الرافضون أن تكون مدينتهم صندوق بريد داخلي أو خارجي.
لا خوف على طرابلس لأن مقاومتها قوية جداً وصلبة، قوية وصلبة بابتسامة شعبها وطيبتهم، قوية وصلبة بتمسُّكها بالسلم الأهلي، قوية وصلبة بطاقة أبنائها، قوية وصلبة بعنفوانها، قوية وصلبة بانتفاضتها، قوية وصلبة بدعمها الإعلامي، قوية وصلبة بمحبة إخوتها في الوطن، قوية وصلبة بدعمها لجيشها وقواها الأمنية، قوية وصلبة بحبها للسلام.
لمن يريد أن يدخل طرابلس ولبنان في نفق أسود لا يعلم أحد مدى عقباه ونتائجه الدموية، كان الرد من جميع الأراضي اللبنانية أننا ثقافة البياض لا السواد، فزمن السواد ولّى أيها الأغبياء، لمن يريد تلبيس طرابلس طربوش الإرهاب مجدداً، الرد أتى قاسياً... إنها طرابلس يا أغبياء.
يا أصحاب النيات السود، ما قبل انتفاضة 17 تشرين ليس كما بعدها، طرابلس أصبحت ثمينة وثوب السواد لم يعد ممكن لباسه، لذا قررت ارتداء اللباس الأبيض فقط، ومهما فعلتم، أم الفقير سوف تكمل مسيرتها وانتفاضتها لأجل تحقيق السلام وتحقيق الإنماء العادل، وليس الحرب والدمار الشامل.
نعلم كم هي صعبة عليكم أنكم لم ولن تتمكنوا من إنشاء حربكم الكريهة تجاه المدينة، ولكن هذه المرة المدينة أخذت قرارها وتقول لكم مجدداً، إنها طرابلس أيها الأغبياء.