إذا ما وضعنا عدة أرقام ومؤشرات بجانب بعضها فإننا نخلص إلى أن
لبنان دخل بالفعل نفقا ماليا مظلما و
تدهورا اقتصاديا كبيرا، وأنه بات على موعد مع أزمة مالية ونقدية حادة، وأن سيناريو اليونان والأرجنتين وغيرهما من الدول المفلسة لم يعد مستبعداً تكراره في لبنان في ظل الأزمة السياسية الحادة، والفساد المستشري، وتآكل قدرة البلاد على
سداد ديونها الخارجية، ونقص
السيولة الدولارية، وتسارع عمليات سحب الأموال من البنوك، وخفض التصنيف الائتماني للبلد.
المؤشر الأوليتعلق بهروب الأموال إلى الخارج وزيادة حجم الودائع المسحوبة من البنوك، فقد تم سحب 3 مليارات دولار في الأيام الأخيرة، وحسب معهد التمويل الدولي فإن نحو 10 مليارات دولار من الإيداعات الدولارية سُحبت من البنوك منذ أغسطس/ آب الماضي، وأن نصف المبلغ، أي نحو 5 مليارات دولار، هرب للخارج، فيما وضع المدخرون النصف الباقي "تحت البلاطة" في منازلهم تحسباً لمخاطر أكبر، وهذا السلوك يشكل ضغطاً شديداً على القطاع المصرفي ويشل قدرته على تلبية احتياجات عملائه خاصة المتعلقة بتمويل الواردات، كما يضغط أيضاً على سوق الصرف الأجنبي والعملة المحلية.
المؤشر الثاني يتعلق بضعف قدرة البلاد على سداد ديونها، صحيح أن لبنان سدد أمس الخميس ديناً بقيمة 1.5 مليار دولار، لكن في المقابل استدان 3 مليارات أول من أمس لسداد هذا الدين، وهنا تتسارع دوامة الاقتراض خاصة مع ضخامة الدين الخارجي المستحق على البلاد والبالغ 87 مليار دولار.
المؤشر الثالث يتعلق بالتراجع الحاد في قيمة الليرة اللبنانية، وحسب البيانات، ففي فترة لا تتجاوز شهراً واحداً ومنذ تقديم رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته في يوم 29 أكتوبر/ تشرين الأول، خسرت الليرة 20% من قيمتها، لتعمّق خسائرها إلى 43% منذ بداية أزمة الدولار التي ظهرت في الأسواق منذ منتصف العام الجاري، ومع انتعاش السوق السوداء للعملة ظهر سعران للصرف، وهو ما يربك الحياة الاقتصادية والاستثمارية ويعمق خسائر الشركات، خاصة العاملة في الصناعة والتجارة الخارجية أو أنشطة تحتاج لتمويل بالنقد الأجنبي مثل الكهرباء والوقود والأدوية.
المؤشر الرابع يتعلق بتفاقم أزمة الدولار في ظل القيود الشديدة المفروضة من البنوك على عمليات السحب النقدي، فشح الدولار واختفاؤه من الصرافات يؤديان إلى ضعف قدرة قطاعات الاقتصاد، خاصة الصناعية، على استيراد المواد الخام الأساسية والسلع الوسيطة من الخارج، وهو ما يشل حركة الاقتصاد ويدفع أسعار السلع والخدمات نحو مواصلة ارتفاعاتها.
المؤشر الخامسيتمثل في ظهور بوادر احتكاك بين مصارف لبنان والخارج، وأحدث ملمح هو إقامة شركة (آي.إم.إم.أس) لتجارة النفط دعوى قضائية بحق بنك البحر المتوسط اللبناني في نيويورك، لرفضه رد وديعة بمليار دولار طلبتها الشركة، وهذا المؤشر قد يدفع شركات وصناديق استثمار عالمية أخرى نحو استرداد ودائعها لدى مصارف لبنان بما فيها المصرف المركزي، أو تلك المستثمرة في أدوات الدين الحكومية كالسندات وأذون الخزانة.
المؤشر السادس بدء إغلاق مئات الشركات أبوابها وصرف موظفيها، وهو ما يعمق أزمة البطالة التي تتفاقم في البلاد يوماً بعد يوم، ومع استمرار الأزمة الحالية ونقص السيولة والنشاط قد يفقد آلاف اللبنانيين وظائفهم.
الصورة باتت شديدة القتامة، والتلويح بأنه قد يتم في نهاية المطاف اللجوء إلى صندوق النقد الدولي والمانحين الدوليين لحل الأزمة المالية والحصول على دعم نقدي، أو أن الخارج سيتدخل لاحتواء الأزمة السياسية في الوقت المناسب، أمور باتت غير مقنعة لمجتمع المال والأعمال الذي يتزايد قلقه يوما بعد يوم.