يراهن مراقبون وخبراء
اقتصاديون على مدى قدرة الحكومة الأردنية على الصمود، في وجه ضغوط صندوق النقد الدولي الذي يطالبها بمزيد من الإصلاحات المالية وزيادة الإيرادات المحلية من خلال رفع
أسعار الكهرباء والمياه وتوسيع قاعدة الخاضعين لضريبة الدخل. ولا يعتقد الخبراء أن الحكومة قادرة على تجاوز مطالب الصندوق في ظل العجز المالي للموازنة وحاجتها إلى استكمال باقي
دفعات القرض المتفق عليه مع الصندوق منذ آب/ أغسطس من العام 2016، وبمبلغ إجمالي حوالي 722 مليون دولار حصل الأردن على دفعة واحدة منه حتى الآن.
ورغم أن مسؤولي الحكومة وعلى رأسهم رئيسها عمر الرزاز تسابقوا خلال الأيام القليلة الماضية للتأكيد على أن الموازنة العامة للدولة للعام 2020 لن تشتمل على أي ضرائب من باب تخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين، إلا أن خبراء اقتصاديين يرون أن الحكومة استنفدت كافة أبواب زيادة الضرائب خلال السنوات الثلاث الماضية ومن الطبيعي ألا تفكر في طرق هذا الباب المغلق مجددا.
زيادة الضرائبوكانت الحكومة وضمن إجراءاتها المالية التي قالت إنها إصلاحية قد رفعت ضريبة المبيعات إلى أعلى مستوى لها والبالغ 16%، فيما رفعت ضريبة الدخل على العديد من القطاعات الاقتصادية والأفراد بنسب كبيرة منذ العام الحالي وفرضت ضريبة خاصة على المحروقات تصل إلى أكثر من 65% على بعض المشتقات. وفي إطار مساعيها لاحتواء غضب الشارع، قامت الحكومة هذا العام بتخفيض ضريبة المبيعات على عدد من السلع التموينية.
وأقر مجلس الوزراء الأربعاء الماضي موازنة الدولة للعام المقبل بحجم 13.83 مليار دولار بعجز مقدر بحوالي 1.76 مليار دولار بعد احتساب المنح والمساعدات الخارجية، وحوالي 2.9 مليار دولار قبل احتساب المنح مشكلا ما نسبته 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي.ووفقا لوزير المالية محمد العسعس، فإن الأردن لن يقبل إملاءات خارجية بما يخص وضعه الداخلي وصندوق النقد الدولي جهة استشارية للحكومة. وأكد الوزير العسعس أن الحكومة ضمنت الموازنة العامة لهذا العام بنودا لزيادة الرواتب وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين من خلال توسيع شبكة الأمان الاجتماعي بما تشتمل عليه من معونات مالية شهرية للأسرة الفقيرة وبناء المساكن للمحتاجين لها منهم والمعالجات الطبية التي تقدم للمعوزين.
مخاوف الشارعوقال النائب في البرلمان الأردني موسى هنطش لـ “العربي الجديد"، إنه لم يعد أمام الحكومة أي مجال لزيادة الضرائب في السنوات المقبلة باعتبار أنها ذهبت لأبعد مدى في فرض الضرائب وزيادتها على المواطنين ومختلف القطاعات الاقتصادية، ما أثر سلبا على مستويات المعيشة وتراجع القدرات الشرائية للمواطنين وضعف تنافسية الاقتصاد الوطني على مختلف الأصعدة.وأضاف أن الحكومة ووفقا لتصريحات وزير المالية ستحقق عوائد كبيرة من ضريبية الدخل والمبيعات خلال العام المقبل، بسبب رفعها للنسب الضريبية خلال العام الحالي 2019 وبما يتجاوز مليار دولار مقدار الزيادة على أصل الضرائب التي تحصل من هذين البندين.
وتابع أن المخاوف التي تساور الشارع الأردني أن تقدم الحكومة على زيادة أسعار الكهرباء والمياه استجابة لضغوطات صندوق النقد الدولي الذي لم ينكر في بيانه الصادر الأسبوع الماضي مطالبته الحكومة بمزيد من الإصلاحات المالية وبخاصة إصلاح قطاع الكهرباء وتقليل خسائر شركة الكهرباء الوطنية المملوكة بالكامل للحكومة.وقال النائب هنطش إن الحكومة إن عزمت على هذا الشيء فإنها ستواجه مقاومة غير مسبوقة من مجلس النواب الذي يرفض رفع الأسعار والضرائب خلال العام المقبل وحتى السنوات اللاحقة، لأن المواطنين ضاقوا ذرعا من الآثار السلبية للإجراءات الحكومية والتي لم تحقق النتائج المرجوة منها. وخاصة أن الإصلاحات الاقتصادية من قبل الحكومات المتعاقبة مر عليها أكثر من 3 عقود دون نتائج تذكر.ومن وجهة نظره كعضو في لجنة الطاقة داخل مجلس النواب ورئيسها سابقا، رأى النائب هنطش أن الحكومة حققت وفورات كبيرة من استخدام الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء إضافة إلى مشروعات الطاقات الشمسية وطاقة الرياح وكذلك انخفاض أسعار النفط عالميا وبالتالي لا مبررات منطقية حتى لمجرد التفكير برفع أسعار الكهرباء.ووفقا لتقديرات الحكومة للموازنة المقبلة، سيبلغ إجمالي الإيرادات المتوقعة حوالي 12.07 مليار دولار وتوقع نموها بحوالي 1.033 مليار دولار بما نسبته 10.4% مقارنة بالعام الماضي في إعادة تقدير أرقام الموازنة العامة.
نمو الإيراداتكما تتوقع الحكومة نمو الإيرادات مع ضريبة الدخل بحوالي 292 مليون دولار ما نسبته 19.5% لتعكس النمو في الناتج المحلي الإجمالي من جهة وتعكس أثر تطبيق قانون ضريبة الدخل من جهة أخرى. إضافة إلى نمو الإيرادات في ضريبة المبيعات بحوالي 833 مليون دولار ما نسبته 17.6%.
وذكر وزير المالية أن ما نسبته 85% من الموازنة عبارة عن نفقات جارية و15% نفقات رأسمالية التي سترتفع بنسبة 33% للعام المقبل بالمقارنة بحجمها لهذا العام.الخبير الاقتصادي مازن مرجي قال لـ "العربي الجديد"، إن الحكومات المتعاقبة لم تدرك خطورة رفع الضرائب والأسعار التي تشل حركة الاقتصاد من خلال إضعاف تنافسية مختلف القطاعات الاقتصادية وتراجع الطلب على السلع والخدمات بسبب تدني القدرات الشرائية للمواطنين.وأكد أن الحكومة يجب أن تفكر جديا بإعادة النظر بحجم الوعاء الضريبي الذي أثقل كاهل الاقتصاد بشكل عام والمواطنين بشكل خاص وتقديم حلول منطقية لمشكلات الأردن الاقتصادية، بالتركيز على جذب الاستثمار بما يتطلبه ذلك من تهيئة بيئة استثمارية منافسة وجاذبة على أرض الواقع وليس مجرد تشريعات وقرارات غير مفعلة ومطبقة.وفي ما يخص العلاقة مع صندوق النقد الدولي شرح الخبير الاقتصادي: "لا أعتقد أنه باستطاعة الحكومة تجاهل مطالب الصندوق بزيادة الإيرادات المحلية والذي يراقب الأداء الاقتصادي بشكل مستمر. وبالتالي، من المرجح رفع أسعار الكهرباء خلال العام المقبل حتى تضمن الحكومة حصولها على باقي دفعات قرض الصندوق وتسهيل حصولها على قروض من جهات تمويل دولية أخرى".
توجيهات الصندوقوقال صندوق النقد الدولي، في بيان أصدره مساء الإثنين الماضي، إنه اتفق مع الحكومة الأردنية على أولويات السنوات المقبلة المتمثلة في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، ودعم النمو، وخلق فرص عمل وتعزيز الحماية الاجتماعية.
وأشار الصندوق إلى أن بعثته التي زارت الأردن خلال الفترة ما بين 11-20 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري عقدت مناقشات مثمرة مع الحكومة الأردنية تناولت آخر المستجدات والتوقعات الاقتصادية والمخاطر المحيطة بالاقتصاد.وبيّن الصندوق أن هنالك تحديات قائمة أبرزها: متوسط نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لا يزال في حدود 2-2.5% فقط منذ عام 2010 والبطالة لا تزال مرتفعة خاصة بين فئتي الشباب والنساء. وكذلك لا تزال وتيرة الإصلاح المالي أبطأ مما كان متوقعا أما العائدات المتوقعة من جهود زيادة الإيرادات وتوسيع القاعدة الضريبية فإنها لم ترق إلى المستويات المنشودة لدعم الاحتياجات المالية للأردن.وأشار الصندوق إلى أهمية إصلاح قطاع الكهرباء حيث تمثل خارطة طريق قطاع الكهرباء خطوة أولى ضرورية لوضع شركة الكهرباء الوطنية (NEPCO) على مسار أكثر ثباتا، ولكن ينبغي إكمال هذه الخطوة بمزيد من الجهود للحد من الخسائر مع تخفيض التعريفات المطبقة على القطاعات المنتجة بما يؤثر على تنافسية مؤسسات الأعمال في الأردن.وقال الصندوق إنه ونظرا لعدم إمكانية تحقيق هذه الأولويات بالكامل خلال الشهور القليلة المتبقية من البرنامج الاقتصادي الحالي الذي يدعمه الصندوق، فقد تم اعتماد برنامج اقتصادي جديد مدته ثلاث سنوات يمكن أن يدعمه.