حديث الشوق والوحدة
حدّث أبو المدائن قال:
لم يكن أشدَّ شوقاً إلى صديق لم يُخلَق من أبي هريرة. كنتُ أقول في بعض الأيام: عِم صباحاً يا أبا هريرة. فيلقاني بعينين كأنّهما الغيب ويقول: من أنت؟ أو: ممّن أنت؟ ويمرُّ كالخيال.
■ ■ ■
حديث الحاجة
حدّث أبو المدائن قال:
كان أبو هريرة سرّاقَ أرواح. وكان من المولَعين بالصيد. يخرج فيرمي الرميةَ فيصيبها فيشرحها ويُلقي بها، ولا يأتي بشيء من ذلك إلى بيته. وكانت تأتي عليه أيام يقول فيها: لِمَ حُرّم أن يُرمى الناسُ؟ تُقتُ والله أن أشقّ منهم فأنظر ما في أمخاخهم وقلوبهم وأحشائهم. ثمّ يقول ويشير إلى بعض عابري الطريق: أنظر إلى هذا. إني أراه سلبني حقّي، يمرُّ ولا أصيب ممّا في صدره شيئاً. فأقول: وما أحوجك يا أبا هريرة إلى غيرك؟ فيقول: لا أدري، أو لعله ضيقُ محبس الفرد. وقد أحسد الصبيان حسداً شديداً.
أتذكُر صبانا؟ كنتُ أشهد سباق الخيل، فلا ينتهي السابق إلى القصب حتى أكون قد استفرَغتُ في قلبي جهده وسرقتُ تعبه. وكنتُ أُلاعب أترابي في الحيّ، فنكون ملوكاً كملوك الروم وطيوراً وسباعاً ورياحاً عاصفة ونستوفي جميعَ ما خلق الله. فكان يبلغ بي الودّ والشوق مبلغه، حتى لقد تشبّهتُ يوماً ببعض قطّاع الطرق، فتلبّستُ به، قلم أُطلق أصحاب القافلة إلّا بعد أن علقت رواحلهم وشددت عليهم حتى بكوا وعلت أصواتهم صياحاً. ثمّ أفقتُ فإذا أنا قد مزّقتُ ثياب أصحابي تمزيقاً وأوجعتُ أكثرهم ضرباً وشكوني إلى أمّهاتهم.
■ ■ ■
حديث العمى
حدّث أبو إسحاق عمرو بن زيادة السعدي قال:
خرج أبو هريرة مشرِّقاً. فضرب في الأرض زمناً. ثمّ ردّته علينا بعض قوافل الغرب كثير الغبار فانيَ العصا. فسألناه في رحلته فابتسم. وقال: لو كنتم عشتُم في مستقبل الدهر لقرأتم ما سيكتبه ابن بطوطة من خرافات الصبيان. وكان يقول: لقد ماتت الجهاتُ الستّ. أو يقول: من ضاعت قبلته فلْيسر ولا يطلُب شرقاً ولا غرباً.
فكأنما ضاقت عنه الدنيا وفاض عنها أو وقع عليها فأفناها.
■ ■ ■
حديث الهول
حدّث حرب بن سليمان قال:
إنّا لعلى بعض طريق الحاجّ نقضي مناسك الحج - وفينا أبو هريرة، وهو يومئذ من عمره في مطلع الفجر، يُصلّي فكأنما يلهو، ويدعو فكأنّما يُغنّي - إذ مرّت بنا جنازةٌ. فقمنا لها فإذا أبو هريرة قد أرسل ضحكةً آذن بها الناس جميعاً. فأخذتُه من طرف ثوبه. فإذا هو لا يتمالك عنها، فهي تهزّه هزّاً.
■ ■ ■
حديث الشيطان
حدّث أبو مسلمة السعدي قال:
كان أبو هريرة كالماء يجري. لم نقف له في حياته على وقفةٍ قط. كالمستعد إلى الرحيل لا ينقضي عنه الرحيلُ.
* مِن "حدّث أبو هريرة قال" لـ محمود المسعدي