يعود الجهاز الإعلامي التابع للرئيس المصري
عبد الفتاح السيسي تدريجيًا إلى طوره الأول الذي كان فيه مملوكاً إلى رجال أعمال محسوبين على النظام. وبعد الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي في عام 2013 ضد
الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي، شرعت أجهزة الاستخبارات المصرية في تأميم المؤسسات الإعلامية التي كانت مملوكة إلى رجال الأعمال هؤلاء، إلا أنها في الفترة الأخيرة عادت وطلبت من رجال الأعمال أنفسهم العودة إلى تلك المؤسسات "تدريجياً".
وعلمت "العربي الجديد" من مصادر متعددة داخل "مدينة الإنتاج الإعلامي" في القاهرة أن الأجهزة الأمنية المالكة حالياً لمعظم القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية والصحف تعيد رسم الخريطة الإعلامية من جديد، إذ طلبت من رجل الأعمال محمد الأمين العودة مرة أخرى إلى قنوات "سي بي سي" التي كانت يمتلكها قبل أن تستحوذ عليها الشركة المتحدة المملوكة للمخابرات العامة والمالكة لمجموعة "إعلام المصريين". وقالت المصادر أيضاً إن المخابرات العامة طلبت من رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى شراء مجموعة قنوات الحياة التي تمتلكها أيضاً "إعلام المصريين"، لكن مصطفى ماطل قليلاً، نظراً للوضع المالي السيئ الذي تغرق فيه القناة، إلا أنه في النهاية سيرضخ للأمر. وكشف مصدر من
الدائرة المقربة من السيسي عن أن الخطة التي اعتمدها رجل الرئيس الجديد الذي يدير ملف الإعلام، اللواء ناصر فهمي، بمعاونة العميد محمد صفوت، الذي اعتمد على إعادة رجال الأعمال مرة أخرى للمؤسسات الإعلامية تدريجياً، بعد فشل إدارة تلك المؤسسات عن طريق الجهاز مباشرة وتكبُّدها خسائر طائلة، وبعد أن تنقل الملف بين عدة جهات، من بينها المخابرات العامة، وتنازعه عباس كامل ومحمود السيسي، ثم انتقل إلى رئاسة الجمهورية، وتحديدا تحت إشراف اللواء محسن عبد النبي، ولكن في كل مرة كان السيسي يعلن عن عدم رضاه عن ملف الإعلام، حيث صار الإعلام لقيطا وفاقدا للشرعية، لذلك كان لا بد من إجراء حركة تغييرات واسعة. وقال المصدر الذي فضل عدم نشر اسمه إن فهمي يأمل في أن يضخ رجال الأعمال الأموال لإنقاذ الوضع المالي المنهار داخل القنوات الفضائية التابعة للمخابرات، وهو نفس ما حدث في شركة "سينرجي" للإنتاج الفني التي يرأسها تامر مرسي وتقوم بإنتاج الأعمال الدرامية، إذ إنه بعد فشل الشركة في العام الماضي في تحقيق أرباح من المسلسلات التي احتكرت إنتاجها بعد منْع باقي المنتجين من إنتاج أعمال خاصة بهم، وتحقيقها خسائر كبيرة، عادت المخابرات العامة إلى المنتجين المستقلين وسمحت لهم بمشاركة "سينرجي" في إنتاج بعض الأعمال المقرر عرضها في الموسم الدرامي في رمضان المقبل، وعلى رأسها شركة "العدل غروب" ومشيش وغيرها من الشركات. ليس ذلك فقط، بل صدرت توجيهات إلى العديد من رؤساء تحرير الصحف القومية بأن يركزوا على مجموعة من صغار المنتجين، والذين سيتم إسناد أعمال لهم في رمضان المقبل والمواسم الأخرى، عن طريق إجراء مقابلات صحفية معهم وأفردت لهم صفحات كاملة وتنويها في الصفحات الأولى، من بينهم منتج مسلسل "نصيبي وقسمتك"، وهناك أسماء أخرى ستضاف إلى القائمة في الفترة المقبلة، ومن بينهم المنتج طارق الجنايني، وذلك نتيجة لضعف السيولة الموجودة لدى شركة المخابرات.
والمفارقة أن بعض هؤلاء المنتجين والذين لهم مديونيات عند "إعلام المصريين" تم إجبارهم على تقاضي ما يقرب من 65% من مستحقاتهم فقط والتنازل عن المتبقي، من أجل العمل والحصول على فرص جديدة لتقديم مسلسلات وتوفير شاشة عرض لها، ووافق أغلب المنتجين على تلك الشروط المجحفة بدلا من الخروج من السوق أو "وقف الحال"، بحسب تعبير بعضهم.
لكن المصدر أكد، في الوقت ذاته، أنه على الرغم من أن خطة المخابرات الجديدة لإعادة رجال الأعمال وبعض المنتجين ممن وقع عليهم الاختيار إلى المشهد الإعلامي والفني، لا تعني أن القرارات ستكون في أيديهم، ولكن العكس، إذ سيظل القرار داخل تلك المؤسسات حكراً على الجهاز، خصوصاً فيما يتعلق باختيار المحتوى الذي سيقدم عبر تلك المنصات، وأيضا طبيعة الموضوعات التي سيتم طرحها في دراما رمضان، كما سيختار القائمين على تقديم ذلك المحتوى، مثل مقدمي البرامج بالنسبة للقنوات التليفزيونية والممثلين والكتاب والمخرجين بالنسبة للأعمال الفنية، مع ترك هامش محدود لرجال الأعمال الممولين. ويذكر أنه في يونيو/حزيران من العام الماضي 2018، أدى العميد ناصر فهمي- الذي تمت ترقيته فيما بعد- اليمين الدستورية، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكيلًا لجهاز المخابرات العامة، بعدما أدى اللواء عباس كامل، اليمين الدستورية، أمام السيسي، رئيسًا للجهاز. وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية (أ ش أ) آنذاك إن اللواء ناصر فهمي تولى منصب نائب رئيس جهاز المخابرات العامة، ولم تذكر مزيدا من التفاصيل. وكان فهمي يعمل في السابق مديراً عاماً لجهاز المخابرات المصرية ومدير الشؤون الإدارية بالجهاز في عهد اللواء خالد فوزي الذي أُقيل من منصبه، قبل تعيينه نائبًا لرئيس الجهاز. كما كان فهمي ضمن المجلس القومي لمكافحة الإرهاب الذي شكله السيسي في يوليو/تموز 2017. وكان المسؤول عن توقيع عقد مع شركتي علاقات عامة أميركيتين وهما "ويبر شاندويك" و"كاسيدي وشركاه" للترويج لنظام السيسي بعد انقلاب 2013. وهو العقد الذي ألغته شركة "ويبر شاندويك" بعد 6 أشهر فقط نتيجة التحقيق الذي نشرته "ذي آتلانتيك" وانتقدت خلاله الاتفاق مع حكومة السيسي.
وكانت وزارة العدل الأميركية قد كشفت عن تعاقد جهاز المخابرات المصرية، يوم 18 يناير/كانون الثاني 2017، مع شركة "كاسيدي أند أسوشيتس" مقابل 50 ألف دولار شهريًا، للاهتمام بالعلاقات الحكومية، إلى جانب شركة ويبر شاندويك مقابل 100 ألف دولار شهريًا، للاهتمام بالعلاقات العامة، ما مجموعه 1.8 مليون دولار سنوياً.
وبحسب أوراق التعاقد المنشورة على موقع مكتب تسجيل الوكلاء اﻷجانب الحكومي الأميركي، مثّل اللواء ناصر فهمي الجانب المصري، والذي ترفع الشركة الأميركية تقارير نشاطها إليه.
قناة TeN الفضائية التي سبق وأن استحوذ عليها مستشار ولي عهد أبوظبي، الفلسطيني محمد دحلان، قبل عام تقريبًا، بتمويل إماراتي بلغ نحو 70 مليون دولار، أعلنت رسميًا أنها أغلقت شاشتها وتوقفت عن البث. وقال مصدر يعمل في إدارة القناة، إن الإمارات توقفت عن تمويل قناة TeN وإنها تعاني أزمة مالية شديدة. والمعروف أن دحلان شكّل رأس حربة في تنامي النفوذ الإماراتي في مصر، عبْر السيطرة على أذرع إعلامية مختلفة تابعة لأبوظبي وتدعم حليفها عبد الفتاح السيسي، وكان منها قناة TeN التي يرأسها المذيع المصري نشأت الديهي، الذي يقدم برنامجا بعنوان "بالورقة والقلم" ويخصصه لمهاجمة قطر وتركيا وجماعة الإخوان، وكثيرا ما يظهر دحلان في برنامجه. وكانت قناة TeN، في الأصل تحت اسم قناة "التحرير" التي انطلقت بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 وأسسها الصحافيان إبراهيم عيسى وبلال فضل وآخرون، وتم تغيير ملكيتها أكثر من مرة. وفي 2011، طُرد دحلان من اللجنة المركزية لحركة "فتح" بتهم فساد، غادر بعدها إلى مصر ثم إلى الإمارات، ويعمل مستشارا أمنيا لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد منذ عدة سنوات، وقد اتهم بأنه أحد وسائل الاتصال بين الإمارات ودولة الاحتلال الإسرائيلي. وقال المصدر لـ"العربي الجديد" أيضًا إن هناك خطة جديدة داخل قناة "الغد" المملوكة لدحلان والتي تبث من القاهرة؛ إذ سيتم زيادة جرعة الشأن الداخلي المصري في القناة التي كانت تهتم بالأساس بالشؤون العربية والدولية، وذلك باتفاق مع المخابرات المصرية. وفي سياق آخر، علمت "العربي الجديد" أنه بالنسبة للصحف القومية، فإن المخابرات المصرية تدرس حاليًا تحويل تلك المؤسسات إلى الإصدار الرقمي، وذلك من خلال شركة تكنولوجيا تابعة للجهاز أسسها نجل الصحافي خالد صلاح، رئيس تحرير موقع وصحيفة "اليوم السابع"، عمر صلاح. وأكد مصدر في الهيئة الوطنية للصحافة، وهي المنوطة بالإشراف على الصحف القومية، لـ"العربي الجديد"، أن شركة عمر صلاح التابعة للمخابرات استلمت بالفعل مهمة إنشاء موقع مؤسسة الأهرام الجديد، موضحاً أن مشروع موقع الأهرام هو "الكارت" الجديد الذي يستخدمه كرم جبر للبقاء في منصبه، وأيضاً كل من عبد المحسن سلامة رئيس مجلس إدارة الأهرام، ورئيس تحريرها علاء ثابت، رغم تردي الأوضاع داخل المؤسسة.