تستعد ميادين وساحات التظاهر العراقية في العاصمة بغداد، ومدن جنوبي ووسط البلاد خلال الساعات القليلة المقبلة للاحتشاد في تظاهرة جديدة، قال ناشطون إنها "مليونية
تأكيد المطالب"، في أول جمعة بعد قبول استقالة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، الأحد الماضي. وتسود مخاوف جدية بين المتظاهرين مما سموه مؤامرة جديدة على الحراك الشعبي شبيهة بالسيناريو اللبناني الأخير، بعد دخول المئات من أنصار عدة فصائل محسوبة على إيران، أبرزها كتائب "حزب الله" العراقية و"سرايا الخراساني" و"النجباء" و"العصائب" و"جند الإمام" إلى ساحة التحرير وسط بغداد، حاملين شعارات ولافتات مختلفة وصورا لزعامات دينية وأعلاما لفصائل مسلحة مختلفة، كما نصبوا سرادق ضخماً بين المتظاهرين. وقام أنصار المليشيات بالاحتكاك بالمتظاهرين والمعتصمين أكثر من مرة، أمس الخميس،
الذين طعن عدد منهم، في محاولة واضحة لافتعال أزمة واشتباكات مع المتظاهرين وإزاحتهم عن ساحة التحرير والتمركز وسطها. واللافت أن استخدام هذا الأسلوب من قبل الفصائل المحسوبة على إيران أتى بعد المعلومات عن تواجد كل من قائد "فيلق القدس"
قاسم سليماني ومسؤول الملف العراقي في "حزب الله" اللبناني محمد كوثراني في بغداد، للضغط باتجاه توافق بين الكتل الشيعية على
طرح مرشح لخلافة عبد المهدي وبحث كيفية محاولة إنهاء الاحتجاجات.
في المقابل، فإن الوقت يضيق بشكل تدريجي على القوى السياسية لتقديم مرشح لرئاسة الحكومة، حيث حدد يوم السابع عشر من شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي كموعد نهائي للمهلة الدستورية الممنوحة لرئيس الجمهورية برهم صالح، لتقديم اسم رئيس الوزراء، لكنه توقيت يبدو غير متناسب مع الحراك السياسي الحالي، حيث أكد مسؤولون ونواب أن المفاوضات الحالية، إذا استمرت على نفس التقاطعات الموجودة حالياً بين الكتل، فمن المؤكد أن يتم خرق المهلة الدستورية. والتقى صالح السفير الأميركي لدى العراق ماثيو تولر ومبعوث واشنطن الخاص إلى سورية جيمس جيفري في بغداد. وشهدت الساعات الماضية في بغداد والنجف والسماوة عمليات اعتقال طاولت ناشطين ومتظاهرين في أول حملة منذ استقالة الحكومة العراقية رسمياً الأحد الماضي. وقال ناشطون في النجف إن قوات أمن اعتقلت عباس السيد طعمة ومحمد جاسم وعددا آخر من الناشطين والمتظاهرين، من منازلهم وبعد خروجهم من ساحات الاعتصام، وسط ترجيحات بأن الأمن
يستهدف المشتبه بمشاركتهم في اقتحام القنصلية الإيرانية في النجف وإضرام النيران فيها. كما شهدت العاصمة بغداد والسماوة اعتقالات مماثلة. وتتواصل التظاهرات في محافظة البصرة جنوبي العراق، في مناطق العشار وشط العرب وأم قصر وسفوان مع استمرار الاعتصام في فلكة البحرية، وساحة ذات الصواري وسط المحافظة. وتشترك البصرة مع باقي محافظات الجنوب الأخرى في
تواصل إضراب المدارس والجامعات، فيما تتواصل التظاهرات في النجف وذي قار.
وفي بغداد، التي يسود التوتر والقلق فيها المحتجين بسبب زج عدة فصائل مسلحة
مرتبطة بإيران لأنصارها وأعضائها في تظاهرات رفعت شعار "طرد المخربين من التظاهرات"، حاملين رايات وصورا لزعامات دينية وأخرى ترفع شعارات ضد الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية، واستقرت في ساحة التحرير وسط العاصمة. وأكد ناشطون أن المتظاهرين المدفوعين يبلغ عددهم أقل من ألف شخص، غادر قسم منهم بعد ساعات، ونصب الآخرون سرادق كبيرا وسط ساحة التحرير بدا واضحاً أنه لمضايقة المتظاهرين الذين كانوا يقيمون فعاليات مختلفة في المكان الفارغ المخصص أو المتفق مسبقاً على تركه فارغاً لإجراء فعاليات رسم وموسيقى وشعر، وآخر لوسائل الإعلام الأجنبية والعربية التي تدخل الساحة. وقال الناشط في التظاهرات ماجد عبد الرضا الحساني، لـ"العربي الجديد"، إن التظاهرة المضادة على ما يبدو صفحة قمع بأسلوب جديد، فهم يخططون للاصطدام مع المتظاهرين، حتى تحصل القوات المرابطة في الجهة المقابلة على عذر لاقتحام الساحة تحت حجة السلم والحفاظ على الأمن. وأضاف "نحن نتواجد هنا منذ شهرين، وصار الجميع يعرف الجميع بالوجوه والأسماء أيضاً، وهناك اتفاق على تحمل الأذى ومنع انجرار المتظاهرين لما يريدونه"، مؤكداً أن "حملهم سكاكين وأدوات لا يوحي أنهم جاؤوا للتظاهر فقط".
وبعد وصول أفراد التظاهرات المضادة، أغلق المتظاهرون بناية المطعم التركي أو ما يعرف بـ"جبل أحد المتظاهرين" خوفاً من أن يستقروا داخله أيضاً أسوة بما حدث في ساحة التحرير. وقال شهود عيان وناشطين ومصدر طبي في مفرزة الإسعاف المرابط بساحة التحرير إن 17 متظاهراً تعرضوا للطعن. وأكد مسعف أن الإصابات في الظهر والذراع والفخذ، وجرت بطرق مختلفة، منها بشكل مفاجئ داخل زحمة التظاهرات، وأخرى عبر الاستفراد بمتظاهرين داخل الأزقة القريبة من ساحة التحرير، فيما ظهر مسعف في مقطع مصور يؤكد أنه استقبل تسع حالات طعن، منها لثلاث فتيات تعرضن لطعنات مباشرة في أماكن متفرقة من أجسادهن. وقال ناشط عراقي في التظاهرات، طلب عدم ذكر اسمه، إن الهدف من لعبة الشارع المضاد هو مزاحمة المتظاهرين على أماكنهم، وقد يكون لدفعهم للبحث عن أماكن أخرى، أو حتى جرهم لاشتباكات بالأيدي حتى تتدخل قوات الأمن. وتساءل إن "كان الحشد جهة رسمية وجزءا من قوات الأمن فلماذا تُرفع رايته في التظاهرات، وهل الخطوة بموافقة الحكومة أم أن ما يكتب بالأوراق شيء وما على الأرض شيء آخر؟"، مؤكداً أن "عدداً من العناصر النسوية الناشطات في التظاهرات انسحب بعد وصول موجة التظاهرات المدفوعة". مصادر مقربة من تحالف "الفتح" أكدت، لـ"العربي الجديد"، أن "هذه التظاهرات المضادة تمت الدعوة والترويج لها منذ يومين من خلال مجموعات على واتسآب، عقب اجتماعات لعدة كتل وفصائل مسلحة ببغداد". وبينت أن "الجهات التي دعت لهذه التظاهرات هي ائتلاف دولة القانون، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، ومنظمة بدر، وسرايا الخراساني، وكتائب سيد الشهداء، وغيرها من الفصائل والجهات السياسية المرتبطة بإيران"، مُرجحة أن "تكون الخطوة لها ارتباط بجملة من الإجراءات التي يقوم بها زعيم فيلق القدس قاسم سليماني لمواجهة التظاهرات في العراق، فهو يريد إيصال رسالة بأن النفوذ الايراني ما زال في الميدان ولا يمكن القضاء عليه من خلال تظاهرات وشعارات لبعض الشباب". وحذر القيادي في جبهة الإنقاذ والتنمية أثيل النجيفي، لـ"العربي الجديد"، من "وجود جهات مليشياوية لها أهداف سياسية، تريد أن تفشل التظاهرات، وأن تتدخل لكي يقع صدام وتقمع هذه التظاهرات وتنهيها. فالدخول إلى الساحة، من دون تنسيق وبأعداد غفيرة، سيؤدي إلى احتكاك مع المتظاهرين والمعتصمين، وستكون العواقب خطيرة جداً"، مؤكداً أن "على الحكومة العراقية، إزاء تصرفات وتحركات كهذه، أن تتدخل وتضع حاجزا بين الطرفين، وإذا كانت تلك الجهات تريد التظاهر فعليها التظاهر في مكان آخر غير ساحة التحرير لمنع أي احتكاك".
بعد تصعيدها الأخير، الذي دفع برئيس الحكومة عادل عبد المهدي لتقديم استقالته. وقال قصي الياسري، النائب عن تحالف "سائرون" المدعوم من قبل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لـ"العربي الجديد"، إن "المرجعية عودتنا رفض أي تدخل خارجي في القرار العراقي، سواء في تشكيل الحكومة أو القرارات الاستراتيجية". وأضاف "نتوقع أن تطالب المرجعية مجلس النواب بالإسراع في إقرار قانون انتخابات البرلمان، للمضي في
إجراء انتخابات مبكرة". وتابع "الوضع ما زال خطراً جداً، وهناك متصيدون يحاولون عودة أعمال العنف، بعد الهدوء الذي حصل في الأيام الماضية، فهؤلاء يحاولون عادة الصدام والاحتكاك بين المتظاهرين والقوات الأمنية". وأكد أن "هناك أهدافا ومخططات، مدعومة خارجياً، لتأجيج الوضع الداخلي من أجل إحداث أكبر عدد من الخسائر البشرية. كما نتوقع وجود مخطط لإشعال الفوضى والعنف بعد استقرار الأوضاع فيها". بالمقابل، قال المحلل السياسي إحسان الشمري، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "خطاب المرجعية منذ 1 أكتوبر/تشرين الأول الماضي ولغاية الآن تصاعدي فيما يتعلق بتحقيق مطالب المتظاهرين، وأيضاً في مساندة التظاهرات والاصطفاف معها بشكل كامل، حتى وصل الأمر إلى مطالبة المرجعية للبرلمان بشكل واضح بإعادة النظر بتشكيل الحكومة. فمن أقال عادل عبد المهدي هما المرجعية والشارع العراقي، وهذا يدل على أن المرجعية لم تعد خطوة إلى الخلف، خصوصاً أن المؤشرات تدل على أن الكتل والأحزاب السياسية لا تزال تناور من أجل الالتفاف على مطالب المتظاهرين". وأضاف أن "المرجعية في خطابها المرتقب، ستعلن رفضها من جديد لمحاولات إيران فرض خارطة جديدة في العراق، فهي تدرك جيداً أن طهران أصبحت مرفوضة تماماً من قبل الشارع العراقي، ولهذا فإنها ستمضي مع هذا الاتجاه (الرفض)".وعن دخول أنصار الفصائل المسلحة على خط التظاهرات، بيّن الشمري أن "ساحات التظاهر والاعتصام لا تقتصر على جهة دون أخرى، لكن هي خطوة متأخرة، فكان على من دعم هذا التوجه أن يؤيد مطالب المتظاهرين منذ البداية". وتابع: "هذه الفصائل كانت متمسكة بعادل عبد المهدي وحكومته، لكن السؤال المهم: لماذا دخلت الآن على خط التظاهرات؟ فقضية طرد المندسين أو المخربين من اختصاص القوات الأمنية، ولا يمكن أيَّ جهة أن تحل محل هذه القوات وتقوم بعملها، فهناك مؤسسات استخباراتية مهمة كفيلة بمعرفة المندس والمخرب". وتوقع "حدوث احتكاك، لكن هذا يجب تطويقه بشكل كامل".