أعلنت بلدية طرابلس أخيراً عن إغلاق كلّ مكبّات
النفايات المؤقّتة، لا سيّما الأكبرَين من بينها في أبو سليم و
تاجوراء، نتيجة امتلائها وعدم قدرتها على استيعاب كميات إضافية من
القمامة. وقد تسبّب الإغلاق في تكدّس النفايات في شوارع العاصمة، فيما حذّرت البلدية من "كارثة بيئية" في غياب التنسيق بين الجهات المسؤولة. يُذكر أنّ ملف النفايات مطروح منذ أشهر أمام المسؤولين من دون التوصّل إلى أيّ حلّ، وذلك نتيجة إغلاق
المكبات الرئيسية النهائية الواقعة في جنوب طرابلس الذي تحوّل إلى مسرح
للمعارك منذ إبريل/ نيسان الماضي. حافظ السبهاوي من سكان حيّ فشلوم، وسط العاصمة الليبية، يعبّر لـ"العربي الجديد" عن استيائه من تكدّس النفايات وسط الطريق الرئيسي في الحيّ، مشدّداً على أنّ ذلك "قصور حكومي"، مضيفاً أنّ "مَن لم يمت بالرصاص فإنّه يموت بالمرض". ويصف ما يحدث بـ"الكارثة، لا سيّما عند حلول الليل عندما يضطر أهالي الحيّ إلى حرق النفايات المكدّسة إذ إنّ لا وسيلة أخرى للتخلّص منها"، لافتاً إلى أنّ "السكان يعمدون بالتالي إلى إقفال شبابيك منازلهم وأبوابها بإحكام، فيما يعجز المارة عن التنفّس من جرّاء الأدخنة والروائح الكريهة". وكانت بلدية طرابلس قد طالبت في أكتوبر/ الماضي أجهزة أمن العاصمة بـ"رصد عمليات حرق النفايات في الشوارع والتدخل لمنع تكرارها". وقد نشرت على صفحتها الرسمية، حينها، صوراً لنقل مخلفات النفايات المحروقة من جانب مبنى أثري في الساحة الرئيسية بالعاصمة، وأخرى تظهر فرق الشركة العامة للخدمات وهي تجري عمليات تنظيف لمخلفات الحرائق.
ويعلّق السبهاوي متسائلاً: "هل هذا تبرير لحصار المواطن بدلاً من الإعلان عن منع الحرق وإغلاق المكبّات وإيجاد حلول؟". يضيف: "يخيّل إليك أنّ الأمر مدبّر وأنّها حرب معلنة على سكان المدينة". قبل أيام، قدّم مدير عام المركز الوطني لمكافحة الأمراض، بدر الدين بشير النجار، توصيات المركز في هذا الخصوص إلى المجلس الرئاسي في حكومة الوفاق في ليبيا، تضمّنت كيفية التعامل مع ملف تكدّس النفايات في العاصمة طرابلس. أتى ذلك بعدما وجّه في تصريح سابق رسالة تحذير إلى مسؤولي الدولة الليبية، بضرورة الإسراع في وضع استراتيجيات وتنفيذ إجراءات عاجلة للتخلص من القمامة في شوارع العاصمة طرابلس للحفاظ على صحة المواطنين وسلامتهم. يُذكر أنّ أزمة النفايات المكدّسة الكبرى التي تعانيها العاصمة طرابلس، استدعت عقد اجتماع موسّع لمناقشتها والبحث في كيفية إيجاد حلول لها، في بداية سبتمبر/ أيلول الماضي، في مقرّ هيئة الرقابة الإدارية. من جهته، يقول نور الدين وهو من سكان حيّ طريق الشوك لـ"العربي الجديد" إنّ "أهالي الحيّ تعمّدوا رمي النفايات أمام مقرّ وزارة الصحة كدليل على سخطنا، لكنّنا فوجئنا بمركبات شركة الخدمات تزيلها في اليوم نفسه فيما تبقي على النفايات المكدّسة على بعد أمتار، أمام مجموعة من المنازل". يضيف أنّه "في ظلّ عدم توفير حاويات وصناديق لرمي النفايات، لا يجد المواطن مفراً من رمي النفايات على الطرقات"، مؤكداً أنّه "سلوك لا يرضي أحداً غير أنّه شرّ لا بدّ منه". تجدر الإشارة إلى أنّ المركز الوطني لمكافحة الأمراض كان قد أعلن قبل أسابيع عدّة عن تقديمه خططاً لحكومة الوفاق، حول كيفية التعامل مع ملفّ تكدّس النفايات في العاصمة طرابلس، مطالباً بضرورة الإسراع في وضع استراتيجيات واتخاذ إجراءات عاجلة للتخلّص من النفايات حفاظاً على صحة المواطنين.
في السياق، يقول يوسف محفوظ وهو موظف في شركة الخدمات العامة الحكومية لـ"العربي الجديد" إنّ "أسباب ذلك متعدّدة، من بينها عدم تفعيل قرار وزارة الحكم المحلي بنقل اختصاصات التعامل مع أزمة النفايات إلى البلديات، بسبب تداخل صلاحيات عدد من الجهات الحكومية. كذلك لم تلتفت الحكومة لمعالجة تأخّر صرف رواتب عمّال الشركة العامة للخدمات، فيما لا تتوفّر مركبات مجهّزة لنقل النفايات، وتُضاف إلى كلّ ذلك صعوبة الوصول إلى المكبّات النهائية في خارج المدينة". ويؤكد محفوظ أنّ "قرار إغلاق المكبات المؤقتة جاء اضطرارياً، فهي لم تعد قادرة على استيعاب كميات أخرى، فيما تحوّلت إلى مصدر للأمراض والتلوّث". من جهتها، تعيد الباحثة في الهيئة العامة للبيئة الحكومية، صالحة إدريس، "أزمة النفايات في البلاد إلى عدم التفات الحكومة إلى مطالب إنشاء مصانع إعادة تدوير النفايات واعتماد شركة الخدمات العامة على الأساليب القديمة في التخلّص منها عبر المكبّات وحرقها بعيداً عن الأحياء السكنية". وتؤكد إدريس لـ"العربي الجديد" أنّ "التلوث الناتج عن حرق النفايات يؤثّر بشكل كبير على صحّة الانسان، لا سيّما الذين يعانون أمراضاً مزمنة صدرية وغير ذلك"، محذّرة من "كارثة بيئية أخطر تتمثل في النفايات الصناعية".