وجاء في الإحصائيات أن مصر حالياً تكمن في المرحلة الوبائية الثالثة، وهي انتقال العدوى من مجموعات بشرية إلى مجموعاتٍ أخرى، عبر حالةٍ ناقلة واضحة يمكن ترصدها، لكن يصعب رصد طريقة انتقال الفيروس داخل تلك المجموعات. هذا الواقع يتطابق مع ما تقوله مصادر طبية في وزارة الصحة، عن أن بيانات تتبع الإصابة في معظم الحالات المكتشفة حديثاً فيها حلقاتٌ مجهولة، وهو ما يعكس ضعف إمكانات الترصد، ويترجم آثار إصرار الحكومة على عدم إجراء تحاليل شاملة لجميع مخالطي كلّ حالة إصابة مسجلة على حدة، بحجة ضعف الإمكانات تارة، وعدم دقة التحاليل بالنسبة لمن لا تظهر عليهم أعراض الوباء تارةً أخرى. أما المرحلة الرابعة التي تخشى منظمة الصحة العالمية دخول مصر فيها فتتمثل في تفشي العدوى دون تمييز للحالات الناقلة ومسارات الانتقال.
ووفقاً للإحصائيات، فقد شهد توزيع الإصابات على مستوى محافظات الجمهورية، وهو بيانٌ أساسي تعلنه الحكومات في معظم دول العالم والمنطقة، ولا تعلنه مصر على الإطلاق، تغييراً كبيراً بزيادة ملحوظة في أعداد المصابين بمحافظات الجيزة والقليوبية والمنوفية، حيث لا تزال القاهرة في المقدمة بأكثر من 1300 حالة، ثم الجيزة بأكثر من 600، فالإسكندرية بحوالي 400، ثم القليوبية بنحو 380، فالمنوفية بحوالي 370، فدمياط بحوالي 340. أما أقل المحافظات تسجيلاً للإصابات، فهي تصاعدياً شمال سيناء ومطروح والسويس والإسماعيلية. وقال مصدر مطلع إن تسريب هذه الإحصائيات أحدث أزمة بين وزارة الصحة ومكتب المنظمة في مصر، فاقم حالة عدم الارتياح نتيجة مخالفة السياسات المصرية لتوصيات المنظمة بشكل دائم، وتحاشي المنظمة التعليق على الشأن المصري عدة مرات خلال الأسبوعين الماضيين.[b]
وكشفت مصادر الصحة لـ"العربي الجديد"، تعليقاً على هذا التغير في خريطة انتشار الوباء، أن محافظات القاهرة الكبرى والإسكندرية والمنوفية (الخمس الأعلى تسجيلاً) هي بالفعل المحافظات التي تمّ إجراء النسبة الكبرى من الفحوص والتحاليل فيها خلال شهر إبريل/ نيسان الماضي، بأكثر من 70 في المائة من إجمالي الفحوص، بينما تراجعت نسبة المحافظات التي كانت قد ظهرت فيها الحالات الموجبة بكثافة في مارس/ آذار الماضي كدمياط والدقهلية والمنيا والغربية، ولذلك تراجعت نسبة تسجيل الإصابات فيها.
وكشفت المصادر أنه كلّما توسعت الوزارة في إجراء التحاليل في أيام أو فترات زمنية معينة، تصل نسبة استكشاف الحالات الموجبة إلى واحدة من كل 17 اختباراً تقريباً، وهو المعدل ذاته الذي كانت الوزارة قد أنهت به شهر مارس/ آذار الماضي. ويدل هذا المعدل، بحسب القواعد الإحصائية، على أن مصر لا تزال في مرحلة التصاعد شبه الثابت وعدم الوصول إلى الذروة حتى الآن، على الرغم مما يُشاع على لسان بعض مسؤوليها في وسائل الإعلام المحلية، عن وصول مصر إلى الذروة منذ أسبوع، وأنها حالياً في مرحلة مستقرّة.
وأشارت المصادر الطبية الحكومية إلى مشكلة أخرى، وهي الانخفاض الكبير في نسبة المتعافين، وهي حالياً عند 24 في المائة مقابل متوسط عالمي يصل إلى 31 في المائة، وهو ما يعود إلى أمرين تدرسهما حالياً اللجنة العلمية في الوزارة. ويتمحور الأمر الأول حول أنه بسبب صعوبة إجراءات الفحص ودخول المستشفيات، وحتى شروط الفحص المعقدة لحالات الاشتباه بلا أعراض والأعراض البسيطة حتى لو بين المخالطين، فإن النسبة الكبرى من المصابين المسجلين يكونون في حالة متأخرة أو بأعراض ثانوية، فيستغرق علاجهم وقتاً أطول بكثير من متوسط فترة العلاج في معظم دول العالم. ويأتي ذلك على الرغم من أن منظمة الصحة العالمية أعلنت الأسبوع الماضي أن 85 في المائة من المتعافين في مصر (نحو ألف حالة في ذلك الوقت) لم يحصلوا على فترة علاج كاملة، لأنهم جاؤوا بأعراض بسيطة أو بعد فترة من انتقال العدوى إليهم.
أما الأمر الثاني، والذي تشكك فيه نقابة الأطباء وجهات أخرى، فهو مدى كفاءة بروتوكول العلاج المتبع في مستشفيات الفرز والإحالة والعزل، لا سيما مع اختلافه عن البروتوكول المتبع في بعض الدول العربية، كالسعودية والإمارات والكويت، فضلاً عن مشاكل محتملة أخرى داخل مستشفيات العزل، كعدم اتخاذ جميع التدابير الاحترازية الموصى بها، ما أدى إلى إصابة عدد من أفراد الطواقم الطبية، وعدم انتظام العمل في بعض مستشفيات العزل. فعلى سبيل المثال، شهد الأسبوع الماضي إضراباً جزئياً لطاقم التمريض في مستشفى الدقهلية للعزل في مركز تمي الأمديد، احتجاجاً على ضعف الإمكانات وعدم إجراء تحاليل للممرضين للتأكد من عدم إصابتهم بالعدوى. وجاء مستجد ظهور توجيه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتحويل الصيادلة إلى أطباء بشريين بعد حصولهم على دراسات لازمة للمعادلة، وتكليفه الأكاديمية الطبية العسكرية بعقد جلسات لتداول هذا المقترح، ليزيد من تشتيت وزارة الصحة والطواقم الطبية عن أداء مهامها في مواجهة كورونا. وأرسلت نقابة الأطباء مساء أول من أمس خطاباً إلى رئيس الأكاديمية الطبية العسكرية برفض المقترح جملة وتفصيلاً، ثم أصدرت صباح أمس بياناً أعلنت فيه للرأي العام رفض المقترح واعتباره يمسّ بسمعة الطب والدراسات العلمية الأكاديمية في مصر. علماً بأن السيسي طرح هذا المقترح في الاجتماع الذي عقده مع رئيس الوزراء ووزيرة الصحة ومسؤولين آخرين، وقرر زيادة بدل المهن الطبية لجميع الأطقم الطبية بنسبة 75 في المائة، بقيمة إجمالية 2.25 مليار جنيه (نحو 143 مليون دولار)، ما عنى زيادة الرواتب بقيمة تراوح ما بين 250 و525 جنيهاً شهرياً فقط، بحسب الحالة والمهنة، وهو ما أثار حالة واسعة من السخط في أوساط الأطباء وأعضاء مجلس نقابتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث جددوا مطالبتهم بضرورة زيادة بدلي العدوى وطبيعة العمل اللذين يتقاضاهما الأطباء الآن بقيمة لا تزيد على 50 جنيهاً شهرياً.وتجاوزت حصيلة حالات الإصابة في مصر أمس الثلاثاء 7200 حالة موجبة حتى الآن، من بينها 452 وفاة، بنسبة تقارب 6.3 في المائة لإجمالي الإصابات، في انخفاض ملحوظ عما كانت عليه قبل أسبوع، وذلك بسبب زيادة عدد الفحوصات الإجمالية. وخففت الحكومة منذ بداية شهر رمضان قيود التدابير الاحترازية وحظر التجول خلال شهر رمضان، ليمنع التجول من الساعة التاسعة مساء وحتى السادسة صباحاً، بعدما كان يبدأ في الثامنة مساء، فضلاً عن إعادة تشغيل المحال التجارية والحرفية والمراكز التجارية (المولات) يومي الجمعة والسبت. كذلك أعادت تشغيل الخدمات الحكومية تدريجياً بعودة عمل بعض المصالح جزئياً، كالشهر العقاري والمحاكم والمرور منذ يوم الأحد الماضي. كذلك أعلنت الحكومة عودة الفنادق والمنتجعات السياحية للعمل بطاقة استيعابية لا تتجاوز 25 في المائة حتى أول يونيو/ حزيران المقبل، وزيادتها إلى 50 في المائة بعد ذلك، بضوابط معينة، من بينها حظر الحفلات والأفراح والأنشطة الترفيهية الليلية وتخفيض إجازات العاملين إلى مرة كل شهرين.
وأعلنت الحكومة أخيراً عن بدء وضع خطة لـ"التعايش" مع كورونا في ضوء العجز الدولي عن وضع مواعيد لتراجع الجائحة. وذكرت على لسان وزيرة الصحة هالة زايد أنّه سيتم وضع مجموعة من الضوابط لاتخاذ تدابير مشددة في جميع المنشآت بمختلف القطاعات لدى عودتها من جديد، منها تخفيض قوة العمل بشكل دائم والتوسع في المعاملات المالية والإدارية الإلكترونية عن بعد، واستحداث طريقة للحجز المسبق للحضور والاكتفاء بأعداد معينة من العاملين وأصحاب المصالح، فضلاً عن الكشف اليومي على العاملين وتخصيص مكان لعزل حالات الاشتباه في كل منشأة.