ولا يمكن أن تبدأ المرحلة الثانية، وفق ما تكشف الصحف البريطانية، إلا عندما يكون معدل انتقال الفيروس أقل من واحد، أي أنّ الشخص المصاب ينقل العدوى لشخص فقط وما دون، مما يعني انخفاض عدد الأشخاص المصابين في البلاد، فضلاً عن تسجيل انخفاض مستمر وثابت بمعدلات الوفيات اليومية، والثقة بقدرة هيئة الخدمات الصحية الوطنية على التأقلم مع الوضع وعلى قدرتها على توفير رعاية كافية للجميع في أنحاء المملكة المتحدة. بالإضافة إلى الثقة بأنّ التعديلات على التدابير الحالية لن تخاطر بذروة ثانية من الانتشار لفيروس كورونا.
وبمجرد أن تقتنع الحكومة بأن معدل انتقال العدوى منخفض بما فيه الكفاية، ستبدأ في رفع القيود للسماح لبعض القطاعات الاقتصادية بالعودة للنشاط. وهناك احتمال أن يضطر البريطانيون إلى ارتداء أقنعة الوجه خارج منازلهم، كما يمكن أن تستمر بعض إجراءات التباعد الاجتماعي حتى نهاية العام.
ومن المتوقع أن تكون القيود الأولى التي سيتم رفعها هي المتعلقة بالمتاجر مع اعتماد إجراءات عدة لذلك. وفي وقت لاحق، قد يُسمح للجمهور بالاختلاط في مجموعات صغيرة، لكن من المتوقع أن تظلّ الحانات والمطاعم مغلقة لمعظم فصل الصيف. ومن المقرر إعادة فتح المدارس، اعتباراً من 1 يونيو/حزيران المقبل.
ووفق استطلاع للرأي أجرته جريدة "ذي أوبزرفر" الأحد الماضي، اعتبر 67 في المائة من البريطانيين أنه من المبكر فتح المدارس والمطاعم والملاعب.
وفي السياق، قال وزير الدولة، مايكل غوف، خلال مؤتمر صحافي الأحد: "أظن أنّ علينا أن نعيش في ظلّ عدد من القيود" حتى اكتشاف لقاح. وأشار إلى أنّ الحكومة ستنهي الحجر "على مراحل"، مع إمكان تعليق هذا المسار وفرض قيود مرة أخرى في حال حصلت طفرة في العدوى.
وتخشى السلطات أن يؤدي التعجّل في تخفيف التدابير التي أقرت في 23 مارس/آذار الماضي، ومددت حتى 7 مايو/أيار الحالي، إلى موجة عدوى ثانية على الرغم من انخفاض عدد حالات الاستشفاء.
ولا يسمح حالياً بخروج السكان إلا للتبضّع أو تلقي العلاج أو القيام بتمارين رياضية مرتين في اليوم. وقبل أسبوع، عاد رئيس الحكومة الذي اعتبر شفاءه "أمراً استثنائياً" في الحديث أخيراً عن تجربته مع كورونا، إلى العمل، عقب أسبوعين من مغادرته المستشفى. ومنذ استئنافه نشاطه، تعرض المسؤول الأول عن إدارة البلاد إلى ضغوط ليكشف عن استراتيجيته لإنهاء الجحر، قبل أن يعلن أنه سيقدم خريطة طريق لتخفيف تدابير الحجر في الأيام المقبلة.
واعتبر وزير النقل غرانت شابس، في حديث لشبكة "سكاي نيوز" أنّ "الوضع لن يكون بالتأكيد مثل السابق". وفضلاً عن إقرار ساعات عمل متعاقبة لتخفيف الضغط على وسائل النقل المشترك، والتشجيع على استعمال الدراجات الهوائية، تتم دراسة إمكان فرض حجر على المسافرين الوافدين من الخارج. وفي تصريح لـ"بي بي سي"، قال شابس: "أنكب حالياً على درس هذه المسألة حتى لا نستورد (إصابات) عقب سيطرتنا على العدوى". لكن شركات الطيران البريطانية ردّت بغضب على اقتراحات الحكومة بأن المملكة المتحدة يمكن أن تفرض الحجر الصحي لمدة 14 يوماً على أي شخص يصل إلى البلاد، وقالت إن مثل هذا الإجراء "سيقتل السفر الجوي"، وحذرت من أن المملكة المتحدة تخاطر بعزل نفسها عن بقية العالم.
وقال شابس إنه مع انخفاض معدل الإصابة بفيروس كورونا في المملكة المتحدة، كان من المهم "التأكد من أن التضحيات التي نطلبها من البريطانيين تتطابق مع أي شخص يأتي إلى هذا البلد". ومع ذلك، قالت مجموعة شركات الطيران البريطانية، المكونة من الخطوط الجوية البريطانية؛ "إيزي جيت"، فيرجن أتلانتيك" و"ريانير"، إنّ الحجر الصحي "سيعزل المملكة المتحدة تماماً عن باقي العالم عندما تفتح دول أخرى اقتصاداتها".
وقال الرئيس التنفيذي للمجموعة، تيم ألدرسليد، إنّ "ما يجب على المملكة المتحدة فعله هو أن تضطلع بالقيادة الدولية مع السلطات الصحية والطيران وفقاً لمعاير مشتركة، بما في ذلك الفحص الصحي، مما سيمكن قطاعنا من إعادة التشغيل وإعطاء الناس ضمانات بأن السفر آمن".
في المقابل، حذر جون هولاند كاي، الرئيس التنفيذي لمطار هيثرو، من أن المطارات الدولية الرئيسية في البلاد ليس لديها مساحة كافية لتطبيق التباعد أو المسافة الاجتماعية، كحلّ للسفر الآمن بعد الإغلاق. وقال في مقال نشر في صحيفة "ديلي تلغراف": "إنسَ المسافة الاجتماعية، فهي لن تجدي مع الطيران أو أي وسيلة أخرى من وسائل النقل العام، والمشكلة ليست في الطائرة، بل في نقص المساحة في المطار". وأوضح أنّ "طائرة واحدة ضخمة، تتطلّب طابوراً بطول كيلومتر".
وبدلاً من ذلك، رأى هولاند كاي أنّ الفحوصات الطبية الإلزامية للمسافرين، وزيادة مستويات النظافة وأقنعة الوجه الإلزامية، ستكون خيارات أكثر واقعية لتمكين المطارات من العودة للعمل، واستئناف السفر الجوي.
أما في ما يخص الإنهاء المستقبلي للحجر، فتوقعت الحكومة تشغيل 18 ألف شخص بحلول منتصف مايو/أيار لتنفيذ استراتيجية فحص المصابين وتتبعهم، في موازاة استعمال تطبيق تتبّع لمخالطيهم طوّرته الأجهزة الصحية البريطانية. وقال شابس في هذا الصدد "سيمثل ذلك جهداً وطنياً هائلاً، ويجب أن يستعمله (التطبيق) بين 50 و60 في المائة من الناس حتى ينجح". وسيبدأ استعمال التطبيق خلال مايو الحالي عقب إجراء تجارب أولى في جزيرة وايت البريطانية الواقعة في بحر المانش. وأقر الوزير بأنه كان من الأجدى زيادة عدد الفحوص لتتجاوز 100 ألف في وقت مبكر أكثر، إذ إن "كثيراً من الأمور كانت ستختلف"، خصوصاً لناحية عدد الوفيات.
ومنذ فرض الإغلاق في مارس الماضي، اعتاد معظم موظفي المكاتب في البلاد على العمل من المنزل. وستحتاج الشركات، التي تتوق لعودة العمال إلى المكاتب، إلى إجراء عدد من التغييرات من أجل ضمان عدم الإضرار بصحة الموظفين وسلامتهم.
وفقاً للخطط التي اطلعت عليها "بي بي سي"، فإنّ التعاقب في فترات العمل، وتقليل مشاركة المعدات بين العاملين، والاستمرار في الترويج للعمل المنزلي من بين عدد من الأفكار المدرجة كجزء من مسودة استراتيجية الحكومة لمساعدة الشركات على الاستعداد للعودة إلى العمل. فضلاً عن مسألة إجراءات النظافة المتزايدة.
وفي سياق الضغوط على حكومة جونسون للكشف عن استراتيجيتها، قالت وزيرة شؤون مجلس الوزراء في حكومة الظلّ العمالية، راشيل ريفز، إنّه يجب التمهيد للجمهور عبر طرح خطط مفصلة لتخفيف إجراءات الحجر والإغلاق. وأضافت في حديث لراديو "بي بي سي": "لقد كنا نحث الحكومة على نشر خطة لأنّ الشركات والمنظمات تحتاج إلى وقت للتخطيط والاستعداد لوضع منظومة عمل مختلفة تماماً. لذلك نحث الحكومة على إعطاء مزيد من التفاصيل".
غير أنّ وزير الدفاع بن والاس، قال "إن الجمهور البريطاني ليس غبياً". وأوضح في حديث لـ"سكاي نيوز" الإثنين، رداً على سؤال حول تردد الناس في العودة إلى العمل عندما يتم تخفيف الإغلاق: "أعتقد بقوة أنّ الجمهور ليس غبياً. يقرأ النصيحة، ويستمع إلى وسائل الإعلام. لقد أخذوا نصيحة الحكومة... وأعتقد أنهم سيكونون قادرين تماماً على قراءة المرحلة التالية للحكومة عندما نصل إليها. أنا واثق تماماً أنه عندما يتعلق الأمر بالخطوة التالية، فإننا سنتمكن جميعاً من المضي قدماً".
ولا تزال العديد من الأسئلة بانتظار إجابات من قبل الحكومة، ومنها: هل سيحتاج أصحاب العمل إلى توفير معدات الوقاية الشخصية للعمال؟ وفي هذا السياق، دعا المدير العام للغرف التجارية البريطانية، آدم مارشال، إلى "توجيه واضح" حول ما إذا كان أصحاب العمل بحاجة إلى توفير معدات الحماية الشخصية. وقال في حديث لراديو "بي بي سي": "ما زلنا ننتظر مزيداً من التفاصيل التي ستكون ذات أهمية كبيرة بالنسبة لكثير من الشركات، لأنّ عدد الأسئلة التي نسمعها من الشركات حول معدات الحماية يتزايد يوماً بعد يوم". وأضاف أنّ "استراتيجية الشراء على مستوى المملكة المتحدة ستكون مهمة للغاية، في سياق الحصول على معدات الوقاية الشخصية اللازمة وتصنيعها".
وفي الإطار، قالت "بي بي سي"، إنه "ربما يكون نصف الأطباء في إنكلترا يشترون معدات الوقاية الشخصية على نفقتهم الخاصة، أو يعتمدون على التبرعات، وذلك وفقاً لمسح أجرته الجمعية الطبية البريطانية. كما وجد المسح، الذي شمل أكثر من 16 ألف طابيب، أن 65 في المائة منهم يشعرون أنهم محميون جزئياً، أو غير محميين على الإطلاق، على الخط الأمامي لأزمة فيروس كورونا. ووجد المسح أنّ 48 في المئة من الأطباء أفادوا، بأنهم اشتروا معدات الوقاية الشخصية مباشرة لأنفسهم أو لأقسمهم، أو تلقوا تبرعات من مؤسسة خيرية أو شركة محلية.
في غضون ذلك، يعبر قادة الأعمال عن مخاوفهم بشأن مسؤولياتهم المحتملة بعد الإغلاق، وتدعو الشركات إلى الوضوح بشأن ما إذا كان يمكن تحميلها المسؤولية حتى إذا ما أوفت بالتزاماتها بحماية الموظفين من كورونا، عندما يتم تخفيف الإغلاق.
وقال المدير العام للغرف التجارية البريطانية، آدم مارشال، إنّ القضية هي أحد "الأسئلة الرئيسية التي طرحناها" بعد ظهور مسودات خطط الحكومة. وتابع "نحتاج إلى أكبر قدر ممكن من التحديد حتى تتمكن الشركات من التأكد من أنها اتخذت جميع الخطوات لحماية أفرادها".